ولد موبسان في قصر ميرو مسنيل في ٥ أغسطس سنة ١٨٤٠ وتلقى دروسه ببلدة ييفتو أولاً ثم ببلدة روان. وأمضى في ربوع مقاطعة نورماندي أسد سني صباه وشبابه، حراً طليقاً بعد دراسته اليومية، كطائر سعيد. وكان يهيم بالطبيعة الساحرة في تلك المقاطعة حتى انطبعت في ذهنه صور كثيرة من حياة الفلاحين المحيطين به
وفي عام ١٨٧٠ التحق بالجيش المحارب وانغمر في ميدان الحرب كغيره من الشباب حينئذ، وعاش في محيطها وتشبعت بها نفسه، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها ذهب إلى باريس والتحق بوزارة البحرية أولاً كموظف صغير، ثم انتقل منها إلى وزارة المعارف. وكان في أشد الاحتياج إلى مرتبه الحكومي ليقتات منه حتى تسمح له الحسنة التي تؤهله لأن يبدأ حياته الأدبية التي عاهد نفسه على بدئها منذ زمن بعيد
وقد هيأت له تلك الوظيفة أن يختلط بطبقة الموظفين، وأن يطلع على خفايا حياتهم وكل أحوالهم، ولكن تلك النظرة التي كان ينظر بها إليهم كانت بشعور مزيج من العبث والسخرية. وانتقشت تلك الصور في ذهنه حتى انسابت من قلمه، وظهرت واضحة جلية في قصصه
وقد صرفته قوة بنيته وحبه اللهو والعبث المغرقين في بداءة حياته عن مطالعة الأدب، فلم يجهد نفسه في ذلك المضمار الإجهاد الكافي لأديب ناشئ يحاول أن يكون نفسه. غير أن تلك الحياة التي كان يحياها قد أضافت صوراً جديدة إلى تجاربه إذا اختلط بالمجتمع الصاخب وانغمر في ملاهيه. وأول ما يتبادر إلى الذهن أنه كان مندفعاً نحو تلك الحياة اللاهية ليمل منها صوراً لأدبه؛ ولكن الحقيقة أنه إنما كان مندفعاً نحوها لكي يشعر نفسه بأنه يعيش المعيشة التي ترضي جسده وتشبع رغباته الجامحة. فقد كان قوى البنية، مفتول العضلات، محباً للرياضة وخاصة التجديف، جريئاً لا يهاب إنساناً