كان فلوبير أباه الفكري؛ إذ هو الذي أخذ على عاتقه أن يدخله إلى دنيا الأدب. وتحت سيطرته بذل موبسان كل جهده لأن يرتفع بأسلوبه إلى المرتبة التي تؤهله لأن يكون شاعراً مجيداً؛ وكانت هذه هي منتهى آماله. كان فلوبير يحدثه دائماً عن كرامة الفن وواجبات الفنان؛ كما أنه غرس في نفسه كراهته للبراجوازيين والسخرية منهم ومن اعتقاداتهم العادية في كتبه. كما أخبره عن أهل الأدب في عصره وحدثه عنهم حديثاً مستفيضاً؛ وطبعه على الاستخفاف بكل أدب تجاري رخيص، ونصحه بالجد والاهتمام بتجويد كتابه، وجعل نفسه مثلاً له يسير على منواله؛ حتى أنه أشركه معه في تأليف كتابه (بوفار وبيكوشبيه) فكان يرسله إلى بعض بقع الساحل النورماندي ليعود فيقص عليه ما رآه وما استولى عليه من احساسات وشعور، فيرسم الطبيعة كما يراها دائماً وليتحرر من آراء زولا شبه العلمية التي كانت سائدة يومئذ، وأن تكون كل اتصالاته بالطبيعة فحسب
وبذلك أحيا موبسان كل الصور بمنظار في مخيلته منذ طفولته وصباه، وجعل ينظر إلى الطبيعة بمنظار صريح مستقيم سهل، وبذل قصارى جهده لأن يكون أسلوبه طبيعياً كمشاهدته، فخلا أسلوبه من المبالغات الرومانتيكية المشاهدة في أسلوب زولا والمحسنات اللفظية كأسلوب جونكور
وكان يطلع أستاذه فلوبير على كل ما يكتبه فيصححه له ويرشده إلى طريق الصواب. وأهم مؤلفاته في ذلك الوقت، وقت الاجتهاد والتحضير هي قصة (الدكتور هيراكلوس جلوس) وأهم ما يميزها وضوح نظرية التشاؤم التي بدأ يأخذ بها موبسان. كما كتب في تلك الفترة عدة مسرحيات وقصص وأشعار على الخصوص. وقد جمع ما أعجبه من شعره في كتاب صغير اسمه:(مجموعة شعر)
وكانت تلك القطع التي نشرها إنما هي في الحقيقة أقاصيص شعرية ويلاحظ أنها بداءة طيبة لما جاء بعدها. وأهم تلك القطع (على ضفاف النهر) وقد رسم فيها ذكريات غرامه وألبسها ثوباً رومانتيكياً متحدثاً عن الغرائز الحرة واللذات الجسدية.
ثم نشر قصته المشهورة فنجحت نجاحاً عظيماً وتنبه الكل له وصعد درجات المجد وعاهد نفسه منذ ذلك اليوم أن يكون قصصياً بدلاً من أن يكون شاعرا رغماً من إرادة أستاذه فلوبير. ومع أنه كان قد أخفى تلك القصة عن أستاذه إلا أنه حين قرأها أعجب بها