قال صاحبي، أنا حجياك في هذا اليوم، قلت: في أي شئ؟ قال: في لغز لا أظنك تسطيع حله. قلت: هات عسى أن أدرك كنهه، قال: دخل أحد الأفراد إلى محل تجاري كبير آملا أن يجل له فيه مكانا يكسب منه رزق يومه، ولما دخل إلى مدير المحل أفضى بما جاء من أجله وأبدى رغبة ملحة في توظيفه، فأشار المدير إلى سكرتيره إشارة خاصة ذهب بعدها السكرتير وأتى بقدح مملوء بالماء موضوع في وسط صينية وقدمه إلى الزائر، وفكر الزائر هنيهة ثم رفع قشة ووضعها على سطح الماء الذي في القدح. فعجب المدير لفظنته وذكائه وأوجد له مكانا. . قال صاحبي ما سر هذا اللغز، وإلى أي شئ رمز قدح الماء الذي قدم إليه؟ ثم ما معنى تلك القشة التي وضعها الزائر وكانت سببا في توظيفه؟. ثم سكت صاحبي وارتسمت على وجه سمات الارتياح والنصر معا، ففكرت برهة ثم قلت، إنما القدح المملوء بالماء يعني عدم وجود مكان لكثرة الموظفين الموجودين ولا يوجد أي مكان لطالب جديد. أما القشة التي وضعها الزائر فإنه أفهم المدير بلطف إلى أن القشة لم تزد على الماء شيئا وكذلك لم تنقصه، وأنه إذا أضيف إلى عدد الموظفين الموجودين لا يؤثر فيهم شيئا. فدهش صاحبي وقال: لا بد أنك سمعته من قبل فنفيت زعمه وأبى أن يصدق.
والمطلع على أدبيات العرب يجد الكثير من أمثال هذا اللغز. وتعرف الألغاز والأحاجي وكانت العرب تزيد في إبهامها وغموضها لتفحم سائلها في فهمها وتفاخر بالتفوق عليه، وكانت هذه الألغاز سيلة للتندر وتزجية للوقت معا، والذي يشبه اللغز الذي رواه صاحبي بل ويفوقهمن حيث الوضع والمعنى ما حكاه المدائني من أن رجلا مر بحي الأحوص، فلما دنا من القوم حيث يرونه نزل عن راحلته فأتى شجرة فعلق عليها وطبا من لبن ووضع في بعض أغصانها حنظلة، ووضع صرة من تراب وصرة من شوك، ثم أتى راحلته فاستوى عليها ذهب. فنظر الأحوص والقوم في أمره فلم يدركوا سرما فعل، فقال أرسلوا في قيس بن زهير وكان فارسا شاعرا داهيا يضرب به المثل فجاء. فقال له الاحوص: ألم بخبرني أنه لا يرد عليك أمر ألا عرفت مأتاه؟ قال: فما الخبر؟ فاعلمون، فقال: وضح الصبح لذي عينين، ثم قال: هذا رجل أسره جيش قاصد لكم، ثم أطلق بعد أن أخذت عليه العهود