والمواثيق أن لا ينذركم، فعرض لكم بما فعل: أما الصرة من التراب فأنه يزعم قد أتاكم عدد كثير، وأما الحنظلة فأنه يخبر أن بني حنظلة غزتكم، وأما الشوك فأنه يخبر أن لهم شوكة، وأما اللبن فهو دليل على قرب القوم أو بعدهم إن كان حلوا أو حامضاً. فاستعد الأحوص وورد الجيش كما ذكر قيس.
وتفننت العرب في وضع الألغاز تفننا مدهشا وذهبت بها مذهبا بعيدا وأخذتها الشعر وِأحكمت وضعها وتركيبها. ونسوق مثالا على ذلك مقدام الخزاعي.
وعجوز أنت تبيع دجاجاً ... لم يفرخن قد رأيت عضالا
ثم عاد الدجاج من عجب الدهر ... فراريج صبية أطفالا
وقال: يعني دجاجية الغزل، وهو ما يخرج عن الغزل، ويعني بالفراريج الأقبية. . . ومن الأحاجي هذه ما كان يأتي بأول كلمة من معنى يضمره الحاجي وعلى المجيب أن يأتي به. ومنها ما رووه عن هند بنت الخس وهي قديمة في الجاهلية قالوا وكانت ساحبجة مبتذلة تحاجي الرجال إلى أن مر بها رجل فسألته المحاجاة، فقال كاد. . . فقالت: كاد العروس يكون الأمير، فقال: كاد. . . فقالت: كاد المنتعل يكون راكباً، فقال: كاد. . . قالت: كاد البخيل يكون كلبا وانصرف. فقالت له، أحاجيك؟ فقال قولي، قالت عجبت. . . قال: عجبت للسبخة لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها. فقالت عجبت. . . قال، عجبت للحجارة لا يكبر صغيرها ولا يهرم كبيرها. . . ثم أفحمها بكلمة بذيئة فخجلت وتركت المحاجاة.
ومن أطراف ما ذكر في هذا الشأن دخول أبي القاسم القطان على الوزير الزيني يهنئه بالوزارة فوقف بين يديه ودعا له وأظهر الفرح ورقص، فلما خرج قال الوزير لبعض أهل سره: قبح الله هذا الشيخ! إنه يشير برقصه إلى قولهم: ارقص للقرد في دولته.
وبعض الألغاز كانت تجئ عفوا من طريق المصادفة وما كانت تقصدها العرب وهي نوعان: منها ما يقع الإلغاز فيه من حيث المعاني وكانت لا تفهم من أول وهلة، ومنها ما يقع فيه الإلغاز من حيث اللفظ والتركيب،. . . هذا وللعرب ألغاز وأحاج كثيرة لا يتسع المقام لبسطها هنا فاكتفينا بهذا المقدار ليكون على علم من أن للعرب ألغاز وأحاجي تفوق ما يتناقله الناس الآن