للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإسلام في تركيا]

للأستاذ محمد فريد وجدي

مر على تركيا عهد كانت فيه كسائر الأمم الشرقية تحت وصاية رجال الدين. فكان للدولة شيخ للإسلام له رأي مسموع في الشئون الحكومية والسياسة الدولية، وكان له ألوف من الأتباع منبئين في جميع الولايات يؤيدهم الشعب في إملاء إرادتهم على الولاة. وكان يقوم إزاء هؤلاء الممثلين للدين رجال انتحلوا لأنفسهم صفة التصوف، وليس أكثرهم منها في شيء، يطعمون عقيلة الناس بوجهات نظر في الدين قد تنافيه أو تحد من سماحته. وكان الشعب التركي في الثلاثة القرون الأخيرة قد تعب من مواصلة الجهاد، ولكن التارات التي لأوروبا عليه لم تخمد جذوتها، بل زادت اشتعالا انتهازا للفرصة، فكان هذا الشعب الجريء الصبور يتحمل الشدائد ولا تلين له قناة نحو قرنين متوا ليين.

في هذه الأثناء أكثرت تركيا من البعوث العلمية لأوروبا، وأكثرت من حصة ألمانيا في الناحية العسكرية، وألمانيا كانت معشش الفلسفة المادية في القرن التاسع عشر كله، حيث نبع شيوخ الإلحاد وممثلوه، فاقتبس منهم شبان الأتراك أكثر نظرياتهم، ولما عادوا إلى أوطانهم أشاعوا، فوجدت رواجا بين المتعلمين، وساعد على هذا الرواج تشدد بعض الشيوخ قي رجعية ظاهرة البطلان.

فلما حدثت الحرب العامة في سنة ١٩١٤ وانتهت بهزيمة ألمانيا وأنصارها، وكانت تركيا منهم، وتقرر الصلح، شعرت تركيا بان خصومها يريدون الإجهاز عليها، فثارت ثورة استبسال تيقظت فيها جميع مصادر قوتها وبسالتها، وتجلت فيها روح عزتها وكرامتها، ووقفت للدول المنتصرة إلى حدود بلادها والسيف في يدها تذود عن وجودها بدماء من حياة بقيت لها. فأخضع الله أعداءها لهذا المظهر الرائع من حوادث البطولة النادرة، وكان جزاؤها أن أعطيت كل ما طالبت به من حقوقها الاجتماعية كافة، وحدودها الطبيعية كدولة. فكان هذا حادثا فذا لم يشهد له التاريخ نظيرا.

أدركت تركيا أن ما كانت قائمة عليه من الأصول، ونايئة تحت أعبائه من التقاليد، لا يصلح أن يقيمها على طريق الأحياء كدولة عصرية، فعمدت إلى إزالته جملة بما فيه من خير وشر، لتنتحل شخصية الأمم الراقية طفرة، وغاب عنها أن ذلك إنما يمكن أن يكون

<<  <  ج:
ص:  >  >>