الموت آية، ولكن موت الملوك آية كبرى؛ والموت عظة، ولكن موت الملوك عظة بالغة
بالأمس تهجم الموت على ذلك الحرم المقدس، واقتحم أسوار هذا الحصن المنيع الذي تغضى العيون حياء من مهابته، ولا تلجه الشمس إلا بعد استئذان؛ اقتحم الموت بلاط ابن إسماعيل، وحفيد إبراهيم، والجالس على عرش فرعون، فلم يحدِّد للزيارة ميعاداً، أو لم يحدَّد له ميعاد، ولم يلزم الباب حتى يُسمح له بالدخول كما تقضي المراسيم عند زيارة الملوك، ثم مد يده في أناة ورفق، بل في عنف وقسوة، فسل روح الملك من جسمه، كما تُسل كل روح من كل جسم، ثم انصرف هادئاً مطمئناً، كأن لم يفعل شيئاً، فإذا الحرس واجم، والسلاح كليل، والطب يطرق حياء، وجبين العلم يتصبب عرقاً، وإذا الشرارة تنطلق في القصر، فيندلع لهيبها في مصر، ويسمع دويها في الخافقين!
يا لله! أيمرض فؤاد كما يمرض أي فرد ممن يظلمهم عرش فؤاد؟ كنا نظن عرشه حمى تتحاماه الأسد، وتتقيه عوادي الدهر، فما بال جراثيم المرض تنفذ إلى ذلك الحمى، وما بال ميكروباته تتسرب إليه، وما بال أهون خلق الله شأناً يفتك بأعظم خلقه شأناً؟ حقاً إنه الموت! ديموقراطي، لا يميز بين الملوك والسوقة، ولا يدين بالفروق بين الطبقات
يمرض الفقير، فيرمى أهله بالتقصير؛ يقولون: تهاونوا فاستفحل الداء، أو أساءوا اختيار الأطباء، فما بال الملوك يتقلبون على فراش المرض، ويقاسون ألم النزع، ويتجرعون كأس الحمام؟
أيها البرق، توعك مزاج الملك فطير الأنباء. أيتها الطيارات، احملي من مختلف الأصقاع نطس الأطباء. أيها العلم هات أحدث ما تمخضت عنه معامل الكيمياء. وأنت أيها الموت ما لك جامداً في مكانك لا تريم، هازا كتفيك استخفافاً، مفتر الثغر عن ابتسامة مروعة، تسرح طرفك بين هؤلاء وهؤلاء، في سخرية واستهزاء؟
أهكذا يُفعل بالملوك؟ لك العزاء والسلوة أيها الفقير! ليس المرض وقفاً عليك، وليس الموت وقفاً عليك. إنك لا تتعذب وحدك أيها المسكين، ولكن الملوك أيضاً يتعذبون! الملوك الذين