تنظر إليهم نظرة التقديس، وتخلع عليهم ثوب الألوهية، وتغبطهم في يقظتك، وتحلم بنعيمهم في منامك، والذين تعتبرهم مثلك الأعلى، وتعتقد أن الخطوب لا ترقى إليهم، وأن لهم عيشاً أنعم من الحرير وألين من الماء: هؤلاء يمرضون أيضاً ويموتون، ولعلهم في عيشهم محسودون بما هم منه يبكون!
هذا هو ابن إسماعيل، وحفيد إبراهيم، تُستأصل نواجذه بلا مخدر، فيحتمل راضياً أو كارهاً تعلقا بالحياة؛ وتُشق لثته ثم تخاط بلا مخدر، فيحتمل راضاً أو كارها تعلقا بالحياة؛ وتُحرّم عليه الأسرة، فينطرح على كرسيه ثم ينام أو لا ينام، فيحتمل راضياً أو كارها تعلقا بالحياة؛ وأخيرا هاهي ذي الحياة، تتدلل تدلل الهيفاء، وتجفو فتسرف في الجفاء. وهاهو ذا شبح الموت يقتحم البلاط، رغم كل احتياط!
ماذا تقول النشرات الطبية؟ - القيح! التعفن! التسمم! أسماء تتداولها ألسنة العامة، وكأننا كنا نخالها وقفاً على أبدانهم، وما كنا نظن أنها تعرف الطريق إلى ذوات الملوك، ذوات الملوك المصونين عن العبث، الموضوعين فوق القوانين، الذين لا تنالهم الألسن إلا بالهتاف، ولا الأفواه إلا باللثم، ولا تطأ الشفاهَ أسماؤهم إلا همسا، ولا تنالهم الأيدي إلا بالسلام إيماءً من بعيد؛ في هذه الذوات المقدسة تسري سموم الموت، وينشب أظفاره الموت، والموت ديمقراطي لا يميز بين الملوك والسوقة، ولا يدين بالفروق بين الطبقات
(لا أريد أن أموت) هكذا يقول الملك؛ والملك إذا قال فكلمته مرسوم نافذ، وإذا أشار فإشارته قانون محترم، وإذا أومأ فإيماءته أمر واجب الطاعة، ولكن الموت - قاتل الله الموت - لا يحسن الخضوع للمراسيم، ولا يعرف كيف ينفذ القانون، ولا ينحني أمام أوامر الملوك
مات الملك في الشرق وكان ابنه في الغرب، وقد فصل القضاء بين الاثنين ببحر وبرين، أليس من حق الراحل أن تكتحل برؤية ابنه عيناه قبل أن يفارق الحياة؟ أمنية يظفر بها المغمور الصعلوك، بله الأمراء والملوك؛ أمنية يظفر بها المحكوم عليه وهو من حبل المشنقة قاب قوسين، ولكن الملوك يتمنونها فلا يجدون إليها سبيلاً. إيه أيها الموت! هلا تريثت قليلا حتى يؤوب الغائب؟ إيه يا جنود سليمان! هلا حملت النازح البعيد على أجنحتك التي حملت عرش بلقيس؟ لا هذا ولا ذاك، إذن فليعتز الراحل العظيم، بكتاب ابنه الكريم، ولكن كتاب الولد البار لا يكاد يصل إلى الوالد الواقف على حافة الأبدية حتى يضن