ليس كثيراً على (الرسالة) الغراء وصاحبها الجليل أن يُشغلا بالأزهر وإصلاحه، وليس معنى إفراده بالكتابة ولفته لواجبه أن دون الجامعة فهماً لتبعاته وقياماً بها. ولكن معنى هذا أن الأزهر لمصر وللعالم الإسلامي عامة، كالقلب به صلاحه وقوامه، وكالمنارة تهدي الضال وترشد السفْر بما تبعث من ضوء وهدى. انه الذي يقوم على ثقافة ناشئة الإسلام العالية من الصين في الشرق إلى المغرب الأقصى بأفريقية.
لهذا كان حريَّا بنا إتمام النظر والدرس، والتعمق في التفكير والفحص، لهذه الجامعة التي هي رابطة بلاد الإسلام، لعلنا نقف على الداء ونصيب الدواء، فينهض الأزهر بعد أن طال عليه الأمد وهو وسنان، ويمضي لغايته قُدُماً بعد طوال عثار، ويعود كما كان مصدر العلم النافع والعرفان الذي به ملاك الدين والدنيا.
لا ريب في أن الأزهر تخلف عما يراد عنه، يعرف هذا من اتصل به تلميذاً أو مدرساً، ويشكو منه أبناؤنا وبخاصة غير المصريين الذين تركوا بلادهم خماصاً ليعودوا إليها بطاناً مليئين بالعلوم المجدية، فإذا قلوبهم واجفة خشية أن يرجعوا إلى أوطانهم كما جاءوا إلينا أن أضاعوا زهرة العمر! هذا حق، ولكن ما علة هذا وما أسبابه؟ وهل إذا تبيّنا العلة كان من السهل أن نطبَّ لها ونقتلعها من جذورها؟
اعتقد أنه من الجرأة والمجازفة أن يزعم أحد منا أنه وقف على الداء كله، وعرف له العلاج الشامل الكامل. ومع هذا كان من الواجب أن يدلي كل من تهيأت له الأسباب برأيه، على أن يكون لنا من مجموع هذه الآراء ما يعين على تقويم المعوج ويهيئ السبيل للخير المرجى.
١ - أول ما يلفت النظر فيما نحن بصدده أن طائفة منا تعيش في هذه الأيام بعقلية رجال القرون الوسطى. المدرس لا يعنيه إلا أن يفهم الكتاب المقرر وأن يُفهمه لطلابه؛ فان يسر الله والطلاب له هذا، حمد الله ورأى انه قام بواجبه. ليكن هذا الكتاب مليئاً بالمسائل والمشاكل اللفظية، ومحشواً بغير قليل من الأخطاء العلمية، فذلك لا يغير من وضع المسألة لدى الطلاب وعامة المدرسين، ولا يلفتهم إلى محاولة فهم العلم نفسه والوصول إلى الحق،