للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[من عبث النحاة]

التعجب

للأستاذ كمال بسيوني

(مهداة إلى صاحب إحياء النحو الأستاذ الصديق إبراهيم بك

مصطفى عميد كلية دار العلوم)

في الحق أن النحاة يكلفون أنفسهم شططاً ويرهقونها عسراً حينما يريدون أن يحللوا كل شيء، فلا ينتهي بهم التحليل والتعليل إلى التعريف والتقريب، وإنما ينتهي بهم إلى التجهيل والتضليل.

ولم أر النحاة قد ضلوا في باب من أبواب النحو ضلالهم في باب التعجب. وأكون مقرراً للواقع حين أقول: أن واحداً منهم لم يفهم من قريب أو بعيد صيغتي التعجب، ولم يتصل بهما بسبب ظاهر أو خفي. وليس ذلكلأن صيغتي التعجب صيغتان عميقتان تدقان على الإفهام، أو تستعصيان على العقول، وإنمالأن هاتين الصيغتين لم تخضعا للقواعد التي أثبتها النحاة وقرروها، والنحاة لا يطيقون أن يروا شيئاً في اللغة العربية لا يخضع لقواعدهم وقوانينهم، لأنهم لم يضعوا قواعدهم وقوانينهم لتهمل وتنبذ، وإنما وضعوها لتطبق وتنفذ، وإذن فليخترقوا كل طريق، وليشقوا كل سبيل، حتى يخضعوا الجامح ويذللوا النافر، فإن جاءوا بعد هذا كله بما يحزن طوراً، ويضحك طوراً آخر، فليس الذنب ذنبك أنت لأنك لم تفهم ما قالوا، أو لأنك لم تؤت هذه القريحة النفاذة التي تستطيع بها أن تستسيغ هذا الغثاء، وأن نفهم هذا الهراء

رأى النحاة هاتين الصيغتين في اللغة العربية (ما أجمل الورد، وأجمل بالورد) ولا أريد بادئ ذي بدء أن أفزعك بما قال النحاة فيها، وإنما أريد أن أسألك أنت عما تفهم إذا قلت لك - ونحن سائران في الحديقة - (ما أجمل الورد) أو قلت لك (أجمل بالورد) ستفهم من غير شك أني أريد أن أقول لك: إن الورد جميل جداً، وستلمح من كلامي أني معجب بجمال الورد، لا متعجب من جماله، فجمال الورد لا يثير تعجبي لأنه ليس أمراً غريباً، وإنما يثير إعجابي، لأنه فاتن خلاب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>