للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا تظن أني أريد من هذا أن أسمي باب التعجب باب الإعجاب، وإلا، فماذا تقول إذا قلت ما أقبح الشر، أو أقبح بالشر؟ أتظن أني معجب بقبح الشر أو متعجب من قبحه؟ كلا، فما أنا معجب ولا أنا متعجب لأن قبح الشر لا يثير عجباً ولا تعجباً، وإنما هو أمر طبيعي؛ ولكنك ستفهم من غير ما شك أني أريد أن أقول إن الشر قبيح جداً، وستلمح من كلامي أني ساخط عليه مشمئز منه.

ولا تقل: إن الأمر لا يخلو من إعجاب أو اشمئزاز، فلا مناص لك من أن تسمى باب التعجب باب الإعجاب والاشمئزاز، وإلا فماذا تقول في قولي لك: ما أكثر الورد في الربيع وما أعظم النزهة في الحدائق، وأنا لم أقصد إلى الإعجاب ولا اشمئزاز. ولم أقصد في الوقت نفسه إلى تعجب، وإنما أقصد إلى أن الورد في الربيع كثير جداً، وأن النزهة في الحدائق عظيمة جداً.

وأظنك قد لمحت من هذا كله أن هاتين الصيغتين إنما تدلان على الكثرة والمبالغة، فالورد جميل جداً، والشر قبيح جداً، والورد في الربيع كثير جداً، والنزهة في الحدائق عظيمة جداً، وعلى هذا النحو. وأظن أني وفقت في هذا الكلام إلى أن أنبهك إلى أن تسمية هذا الباب بباب التعجب تسمية غير سديدة، وأظنكأيضاًقد لمحت من هذا الكلام معنى هاتين الصيغتين.

واسمع بعد هذا ما يقول النحاة في معناهما، وتمالك نفسك أن تقهقه واكظم الضحك في قلبك أن ينفجر.

لم يتفق النحاة على معنى (ما أجمل الورد) والعجب أنهم بعد اختلافهم هذا لم يفهموا معنى هذه الجملة، ولم يمنعهم من فهمها إلا أنهم أرادوا أن يطبقوا عليها القواعد النحوية التي وضعوها.

لقد أنفقوا على اسمية (ما) وابتدائيتها، ثم اختلفوا: فقال الفريق الأول إن (ما) في ما أجمل الورد نكرة تامة بمعنى شيء والجملة بعدها خبر، والتقدير شيء أجمل الورد أي جعله جميلاً. وقال الفريق الثاني: إن (ما) استفهامية مشوبة بتعجب، وما بعدها خبر أيضاً، والتقدير أي شيء اجمل الورد؟ وقال الفريق الثالث: (ما) معرفة ناقصة أي أسم موصول بمعنى الذي والجملة بعدها صلة والخبر محذوف (والتقدير الذي أجمل الورد شيء عظيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>