للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في الفلسفة الإسلامية]

٣ - إخوان الصفاء

للأستاذ عمر الدسوقي

رسائلهم

هي موسوعة ضمت بين دفتيها مبادئ العلوم التي كانت معروفة في البلاد العربية حتى القرن الرابع الهجري، ولاسيما تلك التي ترجمت من اليونانية. وقد اعترف إخوان الصفاء بأنهم ألفوها كنماذج ومقدمات للعلوم فلم يتوسعوا في بسط قضاياها. ويقولون في ذلك: (قد عملنا إحدى وخمسين رسالة في فنون الآداب وغرائب العلوم وطرائف الحكم، كل واحدة منها شبه المدخل والمقدمات والأنموذج).

ويظهر أنهم ألفوها للإخوان الأبرار الذين هم أولى طبقات هذه الجماعة، ولم يقتصروا فيها على مبادئ الفلسفة والعلم، وإنما خلطوها بكثير من الخرافات والأساطير؛ وحاولوا أن يوفقوا بين الدين والفلسفة محاولين أن يجدوا من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما يؤيد نظريات أفلاطون وأرسطو وأفلوطين وغيرهم. وخير ما قيل في وصفها رأى أبى حيان التوحيدي: (هي مبثوثة من كل فن بلا إشباع ولا كفاية، وهي خرافات وكتابات وتلفيقات وتلزيقات) وذلك أنهم قالوا: (إن الشريعة قد دنست بالجهالات واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية، والمصلحة الاجتهادية)؛ وزعموا: (أنه متى انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية والشريعة الإسلامية فقد حصل الكمال)؛ وحشوا هذه الرسائل بالكلمات الدينية، والأمثال الشرعية، والحروف المحتملة، والطرق المهملة.

والواقع يثبت رأي أبى حيان، فالرسائل لا تعمق فيها، ولا نظام يربط بين فصولها، وفيها تكرار وحشو. وعندي أن الرسائل كانت بمثابة موسوعة تبسط فيها المسائل الفلسفية الأولية بأسلوب يوافق عقلية العامة. وحتى لا ينفر هؤلاء من الفلسفة أخذ مؤلفوها يستشهدون بالآيات والأحاديث الكريمة وبأقوال من التوراة والإنجيل، وينسبون أشياء إلى نوح وإبراهيم وعيسى، ويروون قصصاً وأساطير إذا حاولوا البرهنة على مسألة من المسائل

<<  <  ج:
ص:  >  >>