يمكنها أن تكون عفيفة، وإنما تكتسب الأهواء، وتتعلم الألسن والأخلاق بالمنشأ، وهي تنشأ من لدن مولدها إلى أوان وفاتها بما يصد عن ذكر الله من لهو الحديث وصنوف اللعب والأخابيث، وبين الخلعاء والمجان، وتروي الحاذقة منهن أربعة آلاف صوت فصاعداً؛ يكون الصوت فيما بين البيتين إلى أربعة أبيات، إذا ضرب بعضه ببعض يكون عشرة آلاف بيت ليس فيها ذكر الله إلا عن غفلة، ولا ترهيب عن عقاب، ولا ترغيب في ثواب، وإنما بنيت كلها على ذكر الزنا والقيادة والعشق والصبوة والشوق والغلمة؛ ثم لا تنفك من الدراسة لصناعتها، منكبة عليها، تأخذ من المطارحين الذين طرحهم كله تجميش، وإنشادهم مراودة، وهي مضطرة إلى ذلك في صناعتها، لأنها إن جفتها تفلتت، وإن أهملتها نقصت، وإن لم تستفد منها وقفت).
تلك صفحة من أدبنا العربي ما أحسب إنها تقل عن أدب كبار الوصافين والنفسيين في الغرب، لأنها صورة حية تشيع منها القوة والصدق، ما نزال نراها كل يوم.