للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[علامة العراق]

الأستاذ محمد رضا الشبيبي

كنت - ولا أنفك - أنتاب مجمعه، واختلف إلى مجلسه وأتردد إلى داره. وبيته ببغداد، مجمع الفضلاء من أحلاف العلم، وأنصار الأدب، وعشاق الفضل، وأكابر البلد، وأشراف الأمة.

كان أبوه (الجواد) - رحمة الله عليه - من أشياخ الكتاب وفحول الشعراء، تعبر عن مقامه المحمود في صناعة الكتابة مقاماته التي يعنوا لها البديع، ولا يطاولها الحريري، وتدل على مرتبته العالية في القريض أشعاره التي لا يقاويها القدامى حر لفظ، ولا يضارعها المحدثون دقيق معنى. وكان أجداده من كبراء العلماء، وأئمة المحدثين. ولا تزال آثارهم تنم على علو محلهم، وتدل على جلال شأنهم، يذكر اسم الله - تعالى - في مساجدهم ويسبح بحمده في الغدو والآصال، وكانت مدارسهم تغص بالمتفقهين ينفرون من كل جانب، ويغدون من كل فج.

وقد شابه (الرضا) أباه، وورث أجداده، إلا أ، هـ أحاط بأقطار الفضل، وطوف في مناكب العلم، وجمع الكمال فأوعى. تفقه بالنجف عند طائفة من العلماء، وأدبه فريق من شيوخ الأدباء. وقد درس المنطق فمد من أفراده، وأخذ الحكمة فصار من أشياخها، وتخرج في الفلسفة فكان من أربابها، وسمع اللغة فقيد أوابدها، وعقل شواردها، وهذب ألفاظها. وكتابه (المأنوس) من لغة القاموس أمارة كماله في هذا السبيل.

رأيته حافلا بعلم جم، وفضل غزير، وأدب طرئ ومحاسن كثيرة، وفضائل دثرة ومناقب عديدة يزينها اثنان: تواضع العلماء وأناة الوزراء. وهو شاعر مجيد، وديوانه المطبوع نبذ مختارة من مجموع كبير ضخم يحتوي على بدائع بدائهه وعيون غرره.

وهو - عند أهل افضل - مؤرخ العراق - غير منازع - حاول أن يطلع على أخباره، فوقف على السهم الأوفى، وأراد أن يصيب آثاره، فوقع إليه النصيب الأكبر. اطلعت على جزء من مجموعاته الكثيرة القيمة، وطالعت جملة مما جمع ووضع، وقرأت طائفة مما ألف وصنف من الكتب التي لو من على التاريخ بنشر شيء منها لكشف الأستاذ عن وجه كثير من أصول التاريخ والأدب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>