أود قبل كل شئ أن انبه الأستاذ سيد قطب إلى أني قلت أن الذهن هو أوسع طريق لإثبات عقيدة التوحيد بوجه خاص. وعقيدة التوحيد واحدة من عقائد الإسلام والدين الصحيح عامة، ولم أقل أنه طريق الإيمان في الأديان الأخرى التي ليس لها أسس عقلية والتي تدين بها ملايين كثيرة من البشر.
وهذا التوضيح قد يفيدنا في تحديد نقطة الخلاف وينهي هذا الجدل الذي طال.
وأنا حين رأيت الأستاذ سيد يقول مقالته عن طريقة القرآن في إثبات عقيدة التوحيد بالمنطق الوجداني وحده خشيت أن يكون قد اتبع المقالة العامة التي شاعت في العالم غير الإسلامي - لأن عقائده لا يسعها الاستدلال العقلي - وانتقلت إلى العالم الإسلامي حديثا، وهي أن الدين أمور لا يمكن إثباتها من طريق الفكر والمنطق وإنما من طريق الوجدان والعواطف التي تستمد من خوف المجهول. وطبيعي أن يستتبع ذلك نفرة كثيرين من العلماء والمفكرين أن يسلكوا أنفسهم في هذا السبيل، وإن يرثوا بعقولهم أن تأخذ شيئاً من غير طريق الآيبات والحكم العقلي.
وما كان للقرآن وهو يعلم أنه سيجابه هؤلاء أن يغفل هذا الميزان الفكري ويتجاهله وقد جاء لعصور فيها رشد الإنسان ونضج قواه الفكرية جميعها.
وإذا كان الأستاذ سيد يفهم من الوجدان أنه يعتمد على (الحس والبداهة والحقائق الخالدة) فالخلاف حينئذ يكون بيننا على الاسم، ولا فرق حينئذ بين المنطق الوجداني، والمنطق الذهني الذي يعتمد هو أيضاً على الحس والبداهة والحقائق الخالدة، ويكون الاسمان لمسمى واحد. فلا داعي إلى أن نقول أن القرآن لم يعتمد على (الذهن) في إثبات عقيدة التوحيد.
ثم ننتقل إلى المثال الذي استشهد به الأستاذ سيد على إثبات القرآن لعقيدة التوحيد بلا جدل ذهني، والذي بينت ما فيه من ضروب الأدلة الذهنية التي أسماها الصديق (محاولات ذهنية) ووصفها بالتهافت. والمثال هو آيات التوحيد في سورة الأنبياء.
وقبل كل شئ أحب أن أسال: هل حين يقول القرآن أو أي قائل لمعارضيه: (قل هاتوا برهانكم) يكون جدله خاليا من الحركة الذهنية؟ ألا يكون المقام كما قلت سابقا بهذا