لسنا بحاجة إلى القول بأن القرآن الكريم هو دستور الدين والدنيا، وأنه ينبوع الشريعة الصافي الذي يصدر عنه كل ناظر في التشريع، أو متعرض للأحكام أو منتفع بما فيه من التعاليم والآداب
لسنا بحاجة إلى أن نقول ذلك فقد فرغ الناس منه، وآمنوا عن يقين به، وما تزال الحوادث تؤيده، والأيام تعززه وتزيده قوة في النفوس، ومتانة في القلوب
ولسنا نريد أن ننكر على المفسرين الأولين للقرآن الكريم جهودهم الجبارة، ومحاولاتهم الكبيرة، وعنايتهم بتفسير هذا الكتاب الكريم، وخدمته من نواحي الفقه والبلاغة والإعراب، وغير ذلك مما تعرضوا له في تفاسيرهم، فلا شك أنهم أتوا من ذلك بما يفرضه عليهم واجبهم نحو دينهم وعلومهم، ولغة قومهم وكتاب ربهم، فأدوا رسالتهم وأبروا ذمتهم أمام الله والناس
ولو أن باحثاً عنى بأن يستعرض هذه الأسفار المختلفة، وأن يزنها بما توزن به الجهود العلمية والإنتاجات القومية لوجد من ذلك ما يملأ نفسه روعة ويملأ قلبه إعجاباً، ولجرى لسانه بألفاظ الثناء على هؤلاء العلماء، ولجزاهم عن دينهم وأمتهم خير الجزاء
كل ذلك حق لا ريب فيه تحدثت به آثارهم، وآمن به كل من تأنى له النظر في كتبهم، والبحث في مؤلفاتهم، كما آمن به علماء الأزهر
ولكنا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر ولا يستطيع إخواننا من العلماء ولا شيوخنا منهم أن ينكروا أن لهذه التفاسير عيوباً قد إحسها الناس من زمن طويل. وقد ازداد إدراكهم لها في ذلك العصر الذي تغيرت فيه طرق الإقناع، وتنوعت أساليب البحث والتفكير، وتهيأ للعقل فيه نوع من النضوج لاشتغاله بالعلوم الكثيرة، ونظرة في الثقافات المختلفة. فمن هذه العيوب:
أولاً: تفشي الإسرائيليات في هذه الكتب المشهورة، كما تتفشى الأوباء المهلكة حتى تجد الكثير من الآيات قد صنعت لها القصص، ودبرت لها الخرافات، فأصبح الناظر في هذه