القط حيوان مغرور؛ وله العذر يا أخي والله. . ولو أن أمة من الأمم بدا لها في عصر من العصور أن تعبد أجدادي أو أن تعتقد أن روح الله حالة في أجسادهم لكنت حقيقاً أن أزهي وأتكبر وأتغطرس وأرفع رأسي حين أكلم الناس، وأزم بأنفي وأتبجح عليهم بما ليس عندي، وأتمدح بما ليس في، وأكون على العموم - وباختصار - نفاجاً فياشاً إذا كنت تفهم ما أعني.
ولست أتخذ القطط ولا أحبها أو أطيقها، لأن آبائي لم يكونوا ممن عبدوها أو آمنوا بحلول روح الله فيها وإن كانوا قد عبدوا في جاهليتهم ما هو أحط منها في مراتب الحياة - الأصنام والحجارة - ولكنك تكفر بالحجر فتكسره وتفرغ من أمره. أما القطط فتفيء في أمرها إلى الرشد ولكنها هي لا ترشد أبداً ولا يفارقها الغرور العظيم الذي داخلها مذ رأت نفسها معززة مكرمة - بل معبودة - بلا موجب، فالبلاء لهذا مقيم والمصيبة خالدة والعياذ بالله.
ومن غرور القط أنه لا يستأنس أبداً - يسكن بيتك ويأكل طعامك برضاك أو على الرغم منك، ومع ذلك لا يكون معك إلا على حرف. . . تمسح له شعره فيثني أرجله تحته ويرخي جفنيه ويروح يزوم أو (يقرأ) كما يقول العوام فكأنك تستلم حجراً مقدساً من فرط ما يكون من انصراف هذا الحيوان المتكبر عنك، وتدغدغه فلا يعني بأن ينظر إليك ليرى من أنت - أغريب أم صاحبه الذي يطعمه ويؤويه - بل ينحي عليك بأظافر يده وبفمه في آن معاً. وتقدم له اللقمة من الخبز فينظر إليها شزراً ويعرض عنها محتقراً لها ويحول رأسه عنك بكبر دونه كل كبر وتَرفع لا يطاق حتى لكأنك تلغو في حضرة البابا. . فإذا كان ما تعرضه عليه لحماً أو سمكاً أهوى عليه بأسنانه وهو معبس متجهم وانتزعه منك كأنما أنت تدنسه بلمسه أو حمله. ولا يكون معك أبداً إلا متحرزاً متوثباً متوقعاً منك الغدر ومتهيئاً لمباغتتك بالخيانة، وليس أطغى منه ولا أغلظ كبدا. وما أظن بالقارئ إلا أنه رأى ما يصنع القط بالفأر وكيف يمسكه بين يديه حتى يكاد يميته من الفزع ثم يطلقه عنه فيقف الفأر المسكين جامداً لا يتحرك ولا يكاد يصدق أنه حر وأن في وسعه أن يذهب ويجري. والقط