طلعت علينا في العدد ١٠٠٥ بظاهرتين تستوقفان الأنظار، فأولاهما في ص ١١٢١ قصيدة بعنوان وحي البردة من أروع الشعر وأعذبه؛ استوحى فيها ناظمها هدى بردة البوصيري الخالدة. واسم الناظم أشبه بأسماء المسيحيين. فإن كان ذلك فلا عجب فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو نبي البشرية ودينه هو دين الإنسانية. . فللأستاذ ميشيل الله ويردى - خالص الشكر والقدير والتهنئة.
والظاهرة الثانية ما ذكره الأستاذ علي الطنطاوي في ص ١١٠٧ من أن البوصيري كفر كفرا صريحا يعد كفر المشركين من قريش إن قيس به إيمانا - وذلك في قوله:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
والأستاذ الطنطاوي في هذا يتابع محمد بن عبد الوهاب إمام حنابلة نجد - ورمى البوصيري بالكفر ليس بجيد! والإنصاف يقتضي بحث ظروف وملابسات البيت المذكور فهو يقع في أول الفصل العاشر من البردة عند الكلام على هول الزحام، وقد اتفق البخاري ومسلم وكثير غيرهما على حديث الشفاعة الطويل المتواتر وفيه أن الناس تأتي آدم ثم إبراهيم ثم عيسى ثم محمد (ص) فيقول أنا لها إلى قوله فيحد لي حدا. فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة (هكذا نص الحديث) فالبوصيري يريد بكلمة سواك سائر الرسل الذين يستعفون الناس من الشفاعة يومئذ، وهاب الناس إليهم كما يدل الحديث ليس بشك وهذا ما أوجزه البوصيري في بيته، وعبارة يا أكرم الخلق تشعر المنصف بشدة الإيمان. . فالخلق لا يوجدهم إلا الخالق سبحانه وتعالى فهو لم يؤله النبي وإنما جعله أكرم خلق الله.
واللياذ في البيت هو الإتيان للاستشفاع الذي ذكره حديث الشفاعة. والحادث العمم هو القيامة بداهة - والاعتراض على البوصيري هو إنكار لحديث اتفقت الأمة على تواتره ولم يطعن فيه أي محدث. . ونحن الآن في زمن مادي لا يحل لنا فيه النيل من السلف الصالح، وخيرنا اليوم من يكون فيه نصف صفاء البوصيري أو ربع يقينه.
وختاما أرجو تكرمكم بنشر هذا إنصافا للبوصيري وبردته المباركة؛ وتبرئة لطائفة كبيرة من الأمة ترمي بالشرك ظلما وعدوانا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.