سجل العلم الحديث فتحاً جديداً خطير الشأن بصدور الموسوعة الإيطالية (دائرة المعارف) التي بدأ صدورها منذ أعوام ثلاثة فقط، وصدر المجلد الأخير منها (وهو المجلد السادس والثلاثون) منذ أسابيع قلائل. وإذا كنا ممن لا يؤمنون بمزايا النظام الفاشستي، فإنه لا يسعنا إلا أن نحيي ذلك المجهود العظيم الذي حققه العلم الإيطالي في تلك الفترة الوجيزة، والذي يعتبر بحق مفخرة للعهد الفاشستي، خصوصاً وأن الموسوعة الجديدة جاءت حسبما يقرر النقدة مجهوداً علمياً خالصاً بعيداً عن شوائب الدعاية والأهواء
ولهذه الموسوعات العظيمة التي تحشد فيها سائر العلوم والفنون والآداب تاريخ حافل يرجع إلى أقدم العصور؛ وإذا كانت تغدو اليوم مورداً سهلا لكل طالب وقارئ بما انتهت إليه من سهولة في الترتيب والتصنيف، فإنها لم تصل إلى نظامها الحالي إلا بعد أن تقلبت في أطوار عديدة، واشترك في تنظيمها كثير من الأذهان في مختلف العصور والأمم؛ وكان لتفكيرنا العربي، حسبما نرى، نصيب يذكر في هذا الميدان
وأصل الكلمة أي كلمة (انسيكلوبيديا) التي تطلق اليوم في جميع اللغات الحية على جميع الموسوعات العلمية والأدبية يوناني، وأصل الفكرة ذاتها يوناني أيضاً؛ وكانت تعني في اليونانية القديمة مجموعة المعارف التي يجب أن يتزود بها الفتى لاستقبال الحياة العملية؛ ثم استعملها الرومان وأضحت بمضي الزمن تطلق على جميع العلوم مجتمعة في سفر واحد. وأقدم مجموعة من هذا النوع انتهت إلينا هو مؤلف بلني الكبير في التاريخ الطبيعي الذي يرجع إلى القرن الأول من الميلاد، وهو مؤلف شامل يتناول كل ما كان معروفاً في ذلك العصر من الطب والجغرافيا والتاريخ الطبيعي وغيرها من الفنون
ووضعت خلال العصور الوسطى باللاتينية عدة مصنفات شاملة من هذا النوع، وكان واضعوها بالأخص جماعة من رجال الدين الذين توفروا في تلك العصور على جمع