عاقبة موسليني السياسية لا تعنينا في هذا المقال، لأن لها مجال غير هذا المجال، وإنما تعنينا هذه العاقبة هنا من حيث تتصل بالفلسفة الاجتماعية ومذاهب التربية القومية، لأنها من هذه الناحية قد شغلت أناساً لعلهم مخلصون في نياتهم وتفكيرهم ولعلهم لا يخدمون غرضاً من الأغراض الموقوتة بما اعتقدوه ونزعوا إليه، ترسما الخطوات موسليني، ثم خطوات التابعين له في مضمار السلطان والاستبداد
بعد قيام النظم الفاشية في إيطاليا كثر القائلون بفائدة هذه النظم للأمم التي أصابها الانحلال على التخصيص، وجنح بهم إلى هذا القول أن الفاشية ظهرت في زمن خيفت فيه أخطار الشيوعية أشد خوف، فجعاها بعض الباحثين الاجتماعين (جبيرة) لعظام الأمم المهيضة التي يخشى أن تصاب في حياتها القومية، فتنقلب من الإيمان بالوطن إلى الإيمان بالشيوعية
وكان هذا وهما من الأوهام
لأن النظام وحده لا يخلق القوة، وطنية كانت أو غير وطنية والنظام وحدة لا يجبر كسر الانحلال إذا كانت له أسبابه المتغلغلة في تكوين الأمة
فالسجناء أكثر الناس نظاماً في معيشتهم المفروضة عليهم، لأنهم ينهضون من النوم في موعد، ويأكلون الوجبات الثلاث في موعد، ويخرجون إلى الرياضة في موعد، ويذهبون إلى النوم في موعد، ويتناولون من طعام واحد ويلبسون من نسج واحد وزي واحد، ويزاولون عملا واحداً في مكان واحد، ولا يأتون بحركة من الحركات العامة إلا على نظام مفروض لا اختلال فيه
فلا يطمع أحد في بلوغ النظام بين جماعة الناس مبلغاً أدق وأوفى من مبلغه بين جماعات السجناء في العالم بأسره
ومع هذا لا يتخذهم أحد من الباحثين ولا غير الباحثين قدوة في أخلاق اجتماعية ولا أخلاق فردية، ولعلهم على نقيض ذلك مثل فيما يحذره الباحثون وغير الباحثين من مساوئ الأخلاق؛ لأن النظام وحده لا يغني في تقويم فرد ولا في إصلاح جماعة. ولابد مع النظام