لم يكن الرافعي عضواً في جماعة من الجماعات، ولا منتسباً إلى حزب من الأحزاب أو طائفة من الطوائف؛ إذ كان يؤثر الوحدة والاستقلال في الرأي. وكان من التعصب لرأيه والاعتداد بنفسه بحيث يأبى أن ينزل عن رأي يراه مجاملة لصديق أو خضوعاً لرأي جماعة ينتسب إليها؛ وكان له من علته سبب آخر نّبهتُ إليه عند الحديث عن نشأته. ثم إن الرافعي لم يكن رجلاً اجتماعياً يلتزم ما تفرض عليه الجماعة من تقاليد ويتخذ أسلوبَ الناس فيما يليق وما لا يليق؛ فهو لا يعتبر إلا رأيَه أو حاجتَه أو مصلحتَه فيما يكون بينه وبين الناس من صِلات، ولم يكن يعرف هذا (النفاق الاجتماعي) الذي يسميه الناس: التقاليدَ، أو الأدب اللائق!. . . فهو بذلك كان عالماً منفرداً يسير في نهجه إلى الهدف المؤمَّل على وحي الفطرة أو هَدْى الإيمان. سمَّ هذا شذوذاً في الخُلق، أو سمَّه استقلالاً في الرأي وأسلوباً من التعبير عن الشخصية المتميزة بخصائصها؛ فما يعنيني هنا إلا إثبات هذه الحقيقة في التاريخ كما شهدتها في معاملاته وفي صِلاته بالناس، وكما لمحتها في جملة من أحاديثه. . .
. . . هذه الأسباب هي أهمّ ما كان يباعد بين الرافعي والاشتراك في الجماعات، أو يباعد بينها وبينه!
على أن ذلك لم يكن يمنعه أن يكون هواه مع جماعة من الجماعات أو حزب من الأحزاب في وقت ما لسبب ما، ولم يمنعه ذلك أن يكون عضواً في بعض الجماعات
وأول أمره في ذلك - على ما أعرف - أنه شرع وهو شاب لم يجاوز العشرين في تأليف جماعة من الشباب تدعو إلى نوع من الإصلاح الديني؛ وكان معه على هذا الرأي صديقان