(أثمن الله على الخطر؟. . . إن الفلسفة خطر على أصحابها وخطر على عقول العامة، لأنها ما زالت منذ كانت تثير الظنون وتعرض المشتغلين بها للقيل والقال. . .)
قرأت هذا في كتاب غفل من الإمضاء، فكان في ذلك بعض الدليل على أن اتهام الفلسفة بالخطر في زماننا هذا هو الخطر الذي يستتر منه الناس
وأبادر فأقول لصاحب الخطاب ومن على رأيه إن الكتب الفلسفية التي أشرت إليها في مقالي السابق بالرسالة ليست من الكتب التي يختلف فيها قولان، لأنها تتناول المباحث التي يتفق على دراستها رجال الدين ورجال العلم ولا يتحرج من قراءتها أصحاب رأي من الآراء.
ونحن مع هذا في زمان غير الزمان الذي كان يخشى فيه على الفلاسفة والمتفلسفين.
وبودي أن أقول بعد هذا وذاك إن الفلسفة مظلومة في تلك الأزمنة التي كانت تتخذ فيها ذريعة للتنكيل بمن أصابهم التنكيل من جرائها أو من جراء الانتساب إليها.
فقد ظلموها والله حين أصابوا باسمها من أصابوه، فإنما كانوا يحسدون الفيلسوف على مكانة مرعية أو ينغصونه لعلة ظاهرة أو خفية، فيظلمونه ويظلمون الفلسفة معه، ويجهل الأمر من يجهله فيقول إن هؤلاء الظالمين منصفون لأنهم عاقبوا من يستحق العقاب ولم يأخذوه بغير جريرة ولم يختلقوا عليه الذنوب!
ولو كانت الفلسفة هي العلة الصادقة لأصابت النكبات كل فيلسوف يبحث فيما وراء الطبيعة وبتصدي للكلام في أصل الوجود أو أصول الموجودات.
ولكنهم لم ينكبوا من الفلاسفة في الواقع إلا من كان ذا منزلة محسودة ومقام ملحوظ، وإلا من دخل معهم في مشكلات السياسة ومطامع الرئاسة، أو كانت لهم عنده ترة يتمحلون الأسباب لمجازاته عليها، فيرجعون بها إلى هذه الفلسفة المسكينة، وهي غنية بالعلل والأسباب!
وإلا فما بالهم لم ينكبوا الكندي والفارابي ونكبوا ابن سينا الوزير وابن رشد قاضي القضاة؟
فالكندي كان رجل ميسور الحال موفور المال ولكنه اعتزل الناس ولم يشترك معهم في