للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اُمّان

للسيدة الفاضلة منيبة الكيلاني

لا ادري أين قرأت أن اجمل منظر في الدنيا هو منظر الأم الشابة، هو قول ينطبق عل الواقع كثيرا؛ غير إني في الوقت ذاته أراني أتصور أن اقبح منظر في الدنيا هو منظر الأم الشابة أيضاً!

هذه الفتاة الشابة الجميلة تمر من هذا الشارع كل يوم في ردائها الأسود الجميل فتثير على جانبي الطريق جدالا بين الناظرين إليها، في قامتها الأنيقة وانسدال السواد عليها، وفي عينيها الباهرتين وتجللهما بالصمت المبين، وفي شعرها الذهبي الرائع وإهمال تنسيقه على نحو ما يليق به. تثير جدالا بين الناظرين إليها فينبري دعي يقول بان هذه الفاتنة احتسبت أباها أو ماتت عنها أمها فهي تتشح بالسواد على أحدهما. ويقول دعي آخر أن ظهور الحزن عليها وتطامنه في عينها الساجيتين ليومئ بأنها احتسبتهما جميعا. وإن القلب لا ينضح بما فيه دائما، فتسير الغانية من دارها إلى حيث تريد، وتعود إلى دارها من حيث انتهت لا يجد في استشفاف أمرها جديد. والراجح في الظن أن الغانية جاءت هذا البلد وافدة من مواطن الذكريات لتطوي ماضيا بأحداثه الكثيرة طي السجل للكتاب، ولتجد في هذا المنهج ذي الوتيرة الجديدة المحدودة بلسما للجرح في صيدلية الزمن، فإنها فيها أنجع الأودية لأخبث الجراح.

وما كان ليفوتها أن تلج بيت الله في أيام الآحاد تنفض في ساحته الكبرى خلجات الضمير وتمد بصرها راجية راحة النفس وطمأنينة الحس، وتسأله العون وتستر فده الرعاية، فقد ذهب الراعي فبدلها ذهابه من حال إلى حال. . .

الأمن يكون راعيها الذي تشكو خلو مكانه إلى الله آسى القلوب المحطمة التي لا تشعب؟ ومن يكون راعيها هذا الذي تلتقي بطيفه في ساحة الله الكبرى فتنعم بالذكرى تحيط بالطيف، وبأنغام الأرغن والصلاة الصاعدة إلى ملكوت السماء تحيط بالذكرى. ثم تخضل عينان من دون العيون بأدمع قليلة بالغة السخونة. . ثم تنفرج شفتان من دون الشفاه بصلاة قصيرة. . ثم تنهنه الدمعة. . وتطبق الشفتان ثم تستدير القامة الفارعة الجميلة فتيمم شطر الباب ثم تمتد اليد بالصدقات للفقراء والمساكين؛ ثم يتكرر المنهج اليومي محاطا بالذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>