للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحضارات القديمة في القرآن الكريم]

للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

- ٢ -

الحضارة المصرية القديمة

كان لقدماء المصريين حضارة رائعة يعتز بها الآن أبناء مصر، ويفد السائحون من سائر الأقطار لمشاهدة آثارها الباقية، والتمتع برؤية عجائبها التي تملأ النفس روعة، وتفعم القلب إعجاباً. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحضارة العظيمة فيما قصه من أخبار فرعون وموسى عليه السلام، ولكنه لم يمدح منها إلا ما يستحق المدح، ولم يطر منها إلا ما يستحق الإطراء، وذلك ما كان منها متجهاً إلى مصلحة الرعية، نم شق الأنهار، وتعمير الأرض، والعناية بتوفير خيراتها للناس، حتى تنمو بذلك ثروتهم، وتسعد به حياتهم، فلا يتمتع الملك وحده بالحياة السعيدة، بينما تعيش الرعية بجانبه في الذل والشقاء. وقد كان للحضارة المصرية عيوب بجانب هذه المحاسن فأشار القرآن الكريم إليها، وندد أشد تنديد بها، وذكر أنها هي التي قوضت بنيان هذه الحضارة، وجعلتها تنتقل إلى قوم آخرين، ساروا في الأرض سيرة صالحة، وأقاموا فيها موازين العدل، وتلك سنة الله في الخلق، كما قال تعالى في الآية - ١٥٠ - من سورة الأنبياء: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) فالمراد بذلك الصالحون لعمارتها، وإقامة بنيان الحضارة فيها، وهذا هو الذي يشهد به التاريخ القديم والحديث، فأنا نرى فيه أن الحضارة الإنسانية لم تكن وقفاً على أمة من الأمم، ولم يستأثر بها شعب من الشعوب، وكم من شعوب ظهرت بهم الحضارة فأبطرتهم، وأخذوا ينظرون إلى أنفسهم نظرة إعجاب وإكبار، وينظرون إلى غيرهم نظرة استهزاء واحتقار، ويرون أنهم أوثروا بالتقدم على غيرهم إيثاراً، وقد بلغ من بعضهم أن زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه، فلم تكن إلا عشية وضحاها حتى سلبهم الله عزهم، وأورثه ثوماً آخرين صالحين متواضعين، ديدنهم العمل، ولا يأخذهم شيء من الغرور والكسل

وهذه هي الآيات التي وردت فيما يستحق المدح والإطراء من الحضارة المصرية القديمة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>