[لماذا أخفقت جمعية الأمم في نشر السلام في العالم؟]
للكاتب الإنجليزي الشهير
(ولز) من أعظم كتاب العالم اليوم، أصالة رأي وقوة بيان، يزيد كتاباته روعة نزعته الإنسانية الصادقة التي تتجلى في كل ما يكتب. لا يشاطره مكانته الرفيعة في عالم الأدب الغربي من كتاب اللغة الإنجليزية سوى (برنادشو) الكاتب الالرندي الشهير بنقده اللاذع. غير أنه يختلف عن (شو) في أنه لا يقتصر على هدم الأنظمة الاجتماعية التي يتراءى له فسادها، وإنما يكلف نفسه عناء خلق أنظمة جديدة تخلفها. فهو يهدم ليبني، وينتقد ليصلح.
من أحدث ما كتب (ولز) ومن أروع ما أنتج، كتابه (شكل الأشياء القادمة) الذي بحث فيه ما يكون عليه العالم في سنة ٢١١٦؛ فقد تصور شخصاً يعيش في هذا التاريخ، أخذ يدرس تطورات العالم الاجتماعية منذ سنة ١٩١٣، حيث انتهى ذلك التطور بحكومة عالمية يعيش فيها كل فرد سعيداً، لا استعباد فيها ولا استبداد، ولا احتكار ولا منافسة.
وليُلمّ قراء الرسالة الذين لم تصل أيديهم إلى هذا الكتاب بعض ما فيه، ترجمت فصلاً منه بالعنوان المذكور آنفاً ترجمة حرة مختصرة:
بحث في الفصل السابق لهذا الفصل معاهدة فرسايل بحثاً مستفيضاً وانتقدها انتقاداً مراً، ثم أخذ في هذا الفصل يشرح أسباب فشل جمعية الأمم كما يأتي:
(قبل أن نضرب صفحاً عن ذكر (ويلسون)، ذلك الرجل الخيالي، يجدر بنا أن نلفت الأنظار إلى العوامل التي أدت إلى فشله.
لم تكن شخصيته مكتملة للميزات الضرورية لنجاح الهدف الذي كان يرمي إليه. ولكن هذا النقص يجب ألا يجعلنا نتناسى استحالة تحقق مطمحه في ذلك الوقت.
فأنانيته الضيقة، والروح الانتقامية التي عوملت بها دول أوربا الوسطى وما إلى ذلك، جعلت من الخطر مجابهة العالم غير المستعد آنئذ بجمعية أمم.
فلم يكن في ذلك الوقت استعداد فكري كاف لقبول نظام عالمي؛ و (الحكومة العالمية) أو الحكومة الحديثة الحاضرة كانت مجرد فكرة غامضة لم تبحث جيداً. فلا ريب إذن أن وليسون تسرع في خلقه جمعية الأمم، إذ كان لزاماً أن ينتشر علم النفس الاجتماعي، وأن يطبق قبل القضاء على فوضى الحكومات الملكية واستبدالها بسلطة مركزية.