عبد من عباد الله الذين اختصهم بمزيد فضله، ومنحهم من صفات الإنسانية الفاضلة ما امتازوا به عن أقرانهم في عصرهم وأمثالهم في عصور أخرى، واشرفوا على الناس يألمون لما عليه الناس من انحطاط علمي وخلقي وأدبي، ويحاولون استبدال أمم أخرى بهم؛ ورجل ممن رزقوا لذة المعرفة، وأفيض عليهم نور العلم الإلهي ففهموا أسرار الدين، وعرفوا السعادة الحق على وجهها، منحه الله قوة في الجسم والحواس، وبسطة في العلم، وعقلاً قوياًّ نفاذاً، وفطرة سليمة، وإلهاماً صادقاً، وشجاعة في الحق، وزراية على الباطل، وقلباً رحيما بالضعفاء والفقراء، وحباً للبذل والإحسان
نشأ الشيخ في عصر من العصور القاتمة، كل شيء فيه ممض مؤلم للنفس الحرة والفطرة الصادقة. فالأمم الإسلامية تنحدر علمياً وسياسياً واجتماعياً إلى أحط الدركات، وليس لطالب الحرية العقلية بينها متنفس، والدين يفهمه الناس على غير وجهه، واللغة العربية اختلطت بغيرها من لغات العجم، والزلفى إلى الله لها طرق لم يشرعها الله، والزلفى إلى الحكام لها طرق لا يرضاها ذو مروءة ذهب ريح المسلمين، وتفلَّت من أيديهم زمام الحياة العامة، وتداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة على القصاع، وليسوا قلة بين الأمم، ولكنهم كغثاء السيل
ذهب يتعلم فتعلم كما يتعلم غيره: قواعد جافة ليس لها حياة تصلها بمنابعها من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ولا بأصولها من لغة العرب وأساليبهم وأدبهم. وتعلم القواعد في مختصرات رضيها ذلك العصر المظلم لا تفهم إلا بشروح وحواش وصناعة خاصة، فلا اللغة العربية بمسعدة على إجادة النظم والنثر والكتابة والخطابة، ولا على فهم القرآن الكريم وفق الأساليب العربية؛ ولا الفقه بساد حاجة المجتمع وحاجة الحكومات والدول في التشريع والتنظيم؛ ولا دراسة الكلام والمنطق بموصلة إلى الاستدلال الصحيح الذي يطمئن إليه العقل ويقنع الخصم. المتحدث في الاجتهاد وتخير الأحكام لتطابق الأحكام حاجة العصر، ولتلائم أحوال الأمم وأحوال الأزمنة، مبتدع مخالف لما أجمع عليه المحققون. والداعي إلى