التربية في كل الأمم وسيلة لإعداد الحكام والمحكومين. ويساير نظام التربية دائماً نظم الحكم القائم. ولما كان نظام الحكم ديمقراطيا في إنجلترا كانت الغاية من التربية فيها أن يعرف الفرد كيف يساهم بنصيبه في الحكم الديمقراطي، أو الحكم الذاتي؛ أي حكم الشعب نفسه بنفسه. وقد أظهر أفلاطون - فيما سبق نشره من محاورته - شكه في أن نوع التعليم الذي يتلقاه الشعب في المدارس الأولية كاف لا مكان الفرد من الاشتراك في الحكم الديمقراطي بانتخابه ممثله النيابي، والاشراف على سياسة الحكومة. ويرى أن يترك أمر الحكم نهائيا للجامعيين الذين هم خيرة أبناء الأمة ثقافة. والمربي الإنجليزي لا يشاركه هذا الرأي، لأنه يقصر الحكم على الطبقة المتعلمة من أبناء الأرستقراط. وفي هذا رجوع إلى الوراء بنظام الحكم إلى العهد القديم الذي كان رجال الحكم فيه هم أولئك الذين تخرجوا في مدارس أولاد الأعيان. وهنا يبدأ أفلاطون هذا الجزء الأخير من محاورته.
ومدارس أولاد الأعيان هذه أقدم مؤسسات التعليم الإنجليزية. وهي طراز من مدارس التعليم الثانوي ومن أشهرها أيتون وهارو. ولا يدخلها إلا أبناء المثرين لكثرة نفقاتها. وفيها تخرج عدد كبير من قادة الرأي، والساسة الإنجليز، وأغلب أعضاء حزب المحافظين. وبالرغم من فضلها التاريخي في نهضة إنجلترا نجد الآن من يقول بعدم صلاحيتها في عصر الديمقراطية.
أفلاطون: لقد ذكرت في حديثك السابق مدارس أولاد الأعيان، وإن ما سمعته عنها يجعلني أوقن أنها كانت يوماً ما ذات آثار جليلة. فقد كانت تأخذ الناشئة من أبناء الأرستقراط، وتبعدهم عن نفوذ الأسرة، وتقدم إليهم نوعاً من التربية السليمة في الأخلاق، وآداب اللغة، والتمارين البدنية والألعاب، من غير أن تحاول تنمية الناحية العقلية الفلسفية عندهم. وبهذا غرست في نفوسهم حب الطاعة، والإخلاص لتقاليد البلاد واحترامها، وصاغت منهم نماذج