محو الخلافات المذهبية توثيق لعرى الوحدة الإسلامية:
تألفت في مصر لجنة كبار رجال الفكر وعلماء الفقه والمعنيين بالدراسات الإسلامية هدفها رفع الخلافات المذهبية بين المسلمين وتمحيص المسائل التي هي مثار هذه الخلافات في ضوء البحث الحر والتغاضي عن النزعات التي تدعو إلى التعصب في الفروع والمسائل الشكلية.
وهذا هو الواقع عميل جليل، فإن هذه الخلافات التافهة كانت شر ما منيت به الوحدة الإسلامية، وكانت عامل التفرقة بين صفوف المسلمين، حتى شتتت شملهم وصدعت بنيانهم الأصيل، فلم يقو على رد المستعمر الدخيل.
لم تكن هذه الخلافات في شئ من أصول الدين الواضحة، ولكنها كانت من صنع السياسة وأصحاب الأغراض والمآرب في الملك والحكم يوم كان الدين هو الأساس في الملك والحكم، فأخذ هؤلاء يؤلفون العصبيات ويخلقون الجماعات، بما يختلقون من الأخبار والآثار، وبما يعملون في إثارة النفوس وتأريث العداوات، وزاد في البلاء بهذا صنيع الجهلة من الفقهاء الذين كانوا يستجيبون لأهل السلطان وطلاب الحكم بما يقوي نعراتهم ويتمشى مع أهوائهم ومن العجيب أن الأيام تطورت، والأحداث تواترت، وفتح على المسلمين من أبواب البلاء والعناء ما بصرهم بعاقبة الوبال في تلك الخلافات التي فرقت الصفوف، وباعدت بين القلوب ولكنهم لم يتبصروا لحالهم، ولم يدبروا لشانهم، ولم يسارعوا إلى إنقاذ أنفسهم، حتى يمكنهم أن ينقذوا أنفسهم من غيرهم!!
وكثير ما أشفق عقلاء المسلمين من هذه الحال الأليمة، وكثير ما أهاب المصلحون والغير على الإسلام والوحدة الإسلامية بالمسلمين أن يتلافوا تلك الصغائر وأن يوحدوا بين اتجاههم في الرأي لتم لهم الوحدة في الغاية والهدف بازاء الاستعمار الأجنبي وتغلغل الدول الأوربية في بلادهم، وقد كان السيد جمال الدين الأفغاني رضوان الله عليه وهو شريف النسب يعتد بنسبه كثيرا - أول من ندد بهذه الحال وسخر من المسلمين لإصرارهم عليها وهزئ بأولئك الذين يتخذونها مجالا للكلام، ومن كلماته المأثورة في ذلك (لا يصح بحال أن نجسم أمر هذه الفروق في الفروع ونجعلها واسطة للتفرقة وللنزاع فالخصام والاقتتال، وإذا