يوم أشرت إلى ما نمت عليه مقالات الدكتور طه حسين بك، من شعور بعدم الارتياح إلى حاله في مصر وتعزيه عن هذا بمكانه في فرنسا - لم ألتفت إلى ناحية ينبعث منها هذا الشعور، إذ قصرت الأمر على ما عساه أن يكون بينه وبين الدولة من أشياء لا ترضيه؛ وهذه الناحية وقفت عليها من كتاب (رحلة الربيع) الذي أخرجته له أخيراً (سلسلة اقرأ) والذي تحدث فيه بخواطر خطرت له في أثناء سفره إلى فرنسا وإقامته فيها وعودته منها إلى مصر في الربيع الماضي.
يقول في موضع في أوائل الكتاب (وكنت قد تركت في مصر شراً ونكساً وإثاً، وخرجت وفي نفسي شئ من شرها ونكرها وإثمها) ويقول في موضع آخر: (إني لظالم للحق ولنفسي حين أحفل بهذه الضفادع البائسة التي تملأ جو مصر نقيقاً. وما الذي يمنعني حين تثقل على عشرة الضفادع أن أنسل من بينها كما تنسل الشعرة من العجين لأخلو إلى رائع القديم وأخلو إلى رائع الحديث، وأتعزى بجمال الأدب والفن والموسيقى عن قبح السياسة والمنافع وغدر الغادرين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين!) ويقول بعد أن يعبر عن اغتباطه بزيارة الأطلال اليونانية في (الأكروبوليس) في أثناء رسو السفينة في أحد ثغور اليونان، وبعد أن يعبر عن نشوته بسماع موسيقى بيتهوفن عند عودته إلى السفينة في المساء، يقول مخاطباً نفسه:(وقد أنكرتك مصر أو أنكرت مصر، فخرجت منها ذات يوم مع الصبح، ولم تكد تنأى عنها حتى غمرك جمال القديم اليوناني في الضحى، وجمال موسيقى بيتهوفن في المساء، فنسيت مصر وأهلها، ونسيت مكر الماكرين، ولهوت عن غدر الصديق وعن جحود الجاحدين).
إذن فالذي استشعره الدكتور طه من الشر والنكر والإثم في مصر، مبعثه غدر الأصدقاء ونفاق المنافقين؛ وليس هذا غريباً، بل هو أمر طبيعي لم يكن من الممكن - في طبيعة الأحوال عندنا - غيره. . . فقد كان الرجل في منصب كبير من مناصب الدولة، وكان له سلطان، وفيه أريحية، فنثر حوله حباً تساقط عليه طير كثير، ولصق به كثيرون من