الأستاذ المازني أديب من أدبائنا المعارف، يجري اسمه في ابتسام عذب على شفتي كل من يتحدث عنه حين يذكر الأدباء، وقل من لا يتحدث عنه حين يعرض ذكر أدبائنا الذين انشئوا في الأدب وزاد بهم. وان له فيما يكتب لطابعاً وروحاً يتميز بهما ويعرف؛ وما الأديب إذا لم يتميز بطابعه وروحه، ويبرز اسمه وصورته وراء كل سطر مما يكتب؟
على أن للأستاذ المازني غير ذلك فناً وحده، تفرد به، واقتصر عليه أو كاد؛ فما يستطيع أن يجاريه فيه أديب من أدباء العربية؛ يرسم لك به الصورة الملموسة، فيضيف إليها فنا من فنه، ويخلق لك فيها الجديد الذي لم تبصره عيناك، ولم تتناوله حواسك؛ على انك لا تستطيع إلى ذلك أن تنكر انك ترى شيئا مما يرى ويحس، وان أعجزك أن تراه وتحسه كما رآه المازني وأحسه، أو كما جلاه عليك من صور، هي هذه النواحي الضاحكة المضمرة وراء ما يبدو لك من عبوس المناظر والصور والأشكال؛ فهو حين ينظر، وحين يفكر وحين يكتب، يستطيع أن يريك موضع الابتسامة من كل معنى كئيب، وإشراقة السرور من وراء كل ظل عابس؛ وله من ذلك في كل أليم تأخذه عيناه روح من السرور مضمرة مستخفية، لا تدري اهو يخلع عليها من فنه فتضحك من عبوس، وتنبسط من تقطيب؛ أم أن له عينا انفذ بصيرة إلى ما وراء المحسوسات، هي تكشف له عن حقيقتها وسرها، فما هو إلا أن يجلوها عليك كما رآه ببصيرته وإحساسه العميق؟
وكما تجد للمازني فنه الخاص به، تجد له كذلك أسلوبه ولغته؛ واحسبه لا يفكر في اللفظ والعبارة عندما يهم أن يكتب، اكثر مما يفكر في المعنى والموضوع؛ فهو هنا وهناك لا يكلف نفسه الغوص والتعمق، واستخراج المعنى من المعنى، وتوليد الفكرة من الفكرة؛ بل تراه أسلوباً متساوقاً مطرداً، وفكراً قريباً من قريب، وموضوعاً مما يقع عليه الحس وتألفه النفس. واحسبه أيضاًً يلتمس فيما يكتب أن يرضى قراءه ويسرهم، أكثر مما يلتمس أن