أحدهما ملك كريم هبط إلى الأرض بروح السماء، وسيصعد إلى السماء بمكرمات الأرض. . .
وثانيهما روح خبيث صعد من الطين كأنه فقاعة من غاز عفن! وكأنه بثرة ذات قيح وصديد في وجه مجدور. . .، ثم عاد وسفل في الطين وأبى الارتفاع، وسيكون مرجعه إلى عالمه، كالم نجاسات الأرض. . .
وقد رأيتهما في مكان واحد في وقت واحد، فرأيت الضدين الأبديين الخالدين تصطرع روحهما على روحي، فكانت محنة هي محنة العيش بين المتناقضين كمحنة الحديد يوقع عليه في النار ثم (يُطَشّ) في ماء مثلوج. . .
أولهما له وجه أصيل الحسن والسماحة عميق المعاني الإنسانية، يأخذك إلى رحاب الوضوح التفاؤل والحب العميق للخير، ويدعوك إلى تصديق ما أتت به دعوات السلام والحب والبر، وله عينان كأنهما منبعا نور وصفاء يغسلك بأشعته ويطهرك وينير لك سبل الحياة.
والثاني له وجه عميق القبح ممسوخ المعاني، رآه مرة أحد أرباب الصفاء والنفاذ فقال: إنه وجه غادر. . . وله عينان كأنهما جُبّان جفّ فيهما الماء وسكن الظلام وانطلقت الحشرات، فهما يغمران قلبك بالظلام والوحشة، ويأخذان فكرك وخيالك إلى أودية التشاؤم والكراهية للإنسانية، ويوحيان إليك أن كل ما تقرأ عن عالم الخير والسلام وهم واهمين وغفلة غافلين بلهاء. . .
وللأول يد تفيض بالفيض فيضاً ولا تحبسه عن أحد، وتعطي الناس مستحقين وغير مستحقين، وتمسح الجراح والآلام، وترتق الفتوق وتسد الثغور وتسند الذي يريد أن ينهار وتشير دائماً إلى منطقة النجاة والسلام كأنها علامة إرشاد منصوبة على طريق الإنسانية. . .
وللثاني يد كأنها ناب ذئبة جائعة ذات أجراء صغيرة، فهي تختطف لنفسها ولأجرائها قلوب