للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسرح والجمهور]

للدكتور محمد القصاص

ليس الفن المسرحي هو المؤلف وما كتب فحسب، ولا المؤلف ومعه الممثلون وحدهم، بل لابد له من جمهور أيضاً. تلك هي الدعائم الثلاث التي إذا فقد المسرح إحداها انهار.

بالطبع كل من يكتب ويطبع يبتغى أن يقرأ، وإلا لاكتفى بتسجيل خواطره وأفكاره تسجيلا سريعاً دون أن يعمد إلى تنظيمها وتبويبها وطبعها ونشرها. فالفن اجتماعي بطبعه إذا عي بجوهره. ومن ثم فإننا نعجب لكاتب يكتب مالا يفهم القراء ومالا يعنيهم (ولا نتكلم هنا عن الشعر فقد يكون له موقف خاص) الكاتب الذي يعيش - كما يقال - في برجه العاجي بعيداً عن الحياة وعن الناس.

ولا نقصد من وراء ذلك أن يخر الكاتب راكعاً أمام جمهوره فيتملق عواطفه مهما انحطت، ويتغنى بمواطن الضعف فيه؛ كلا، فإن هذا مفسدة للأدب مفسدة للفن، بل هو إلى التهريج أقرب منه إلى الفن.

ولكن احتقار الجمهور والبعد عنه، ومخاطبته بلغة غير لغته، والاشتغال بنجوم السماء دون الأرض ومن عليها، جرم مرتكب في حق الفن والمجتمع على السواء. ومع ذلك فقد نسلم جدلا، جدلا فقط، أن الرسام يستطيع أن يرسم لوحة يحتفظ بها لنفسه، ولنفسه فقط، وأن الشاعر يستطيع أن يكتب قصيدة يرددها بينه وبين نفسه من طلوع الشمس إلى غروبها، ويكتمها عن جميع من عداه، وأن القصاص قد يكتب قصة ثم يتركها تغط في سباتها العميق سنين وسنين حتى يأتي يومها، حتى يأتي جمهورها بعد زمن يطول أو يقصر. ولمن يضيرها ذلك في شيء فهي قد وجدت بالفعل منذ انتهى صاحبها من كتابتها، ولن يزيدها وجوداً أن تظفر بعشرة آلاف قارئ أو بمائة ألف قارئ. ولن يكون لقارئها أي تأثير عليها، بل هو الذي سيتأثر بها تأثراً سطحياً أو عميقاً، عاجلا أو آجلا.

ومن جهة أخرى إذا كانت أفكاره عسرة الهضم، أو كان ملتوي الأسلوب معقد التعبير مقتصداً في المقدمات خفي النتائج، فقد يجوز له أن يترك كلامه على ما هو عليه دون أن يجهد نفسه في أن يرفع عن كتابته غموضاً يستطيع القراء أو غالبية القراء رفعه ولو بشيء من العسر. ذلك لأنه يعلو أن الكتاب يستطاع أن يقرأ وأن تعاد قراءته، وأن كاتبه

<<  <  ج:
ص:  >  >>