يصرح الأستاذ الفاضل مؤلف هذا السفر أن كتابه مجرد ملاحظات استنتجها من التجارب الشخصية وخبرة من يعول على رأيهم وصحة حكمهم؛ ويبدي صراحة أنه لا يبرز للناس قواعد جديدة في التربية. وكنا نود أن لو كفانا تصريحه هذا مؤونة التعليق الفني على الكتاب لولا مقام المؤلف الفاضل في المجتمع المصري، ذلك المقام الذي يحملنا - كمربين قبل كل شيء - على أن نتفهم الكتاب ونقول فيه كلمة نقر بها الحق ونرضي بها الضمير.
إن مجمل ما يقوله الناقد في ذلك الكتاب أنه يشمل عدة مقالات كتبت في ظروف مختلفة عنونها كاتبها بعنوانات وثيقة الاتصال بالتربية، بينما المقالات نفسها لم تعالج علاجاً فنياً دقيقاً أي ناحية من نواحي التربيب؛ وأرى فوق ذلك أن هذه المقالات مجتمعة لا تكوّن وحدة علمية جديرة بالعنوان الذي جعله المؤلف لكتابه، وأقصد بذلك أنها تفقد أسباب الاتصال بعضها ببعض على نحو يجعلها بحثاً جديداً يهم المشتغلين بشئون التربية. ولقد لفتَ نظري أن يفرد الكاتب فصلاً عن التربية والتعليم يقول فيه أن المعلومات التي يتلقاها التلاميذ في المدارس لا تؤثر في سلوكهم، فهي في نظرة تعليم بعيد عن التربية. ويقول كذلك إنه قد استفاض خلط التعليم بالتربية، وكأنه بكلامه هذا يريد أن يقيم سداً منيعاً بين التعليم والتربية.
والحقيقة أنه لا يوجد حد جلي بين التعليم والتربية، وأن ما يقول به البعض من أن التربية تشمل التعليم كما يشمل الكل الجزء، إنما يحتاج إلى تدليل وتدعيم. أما الواقع والمعقول فهو أن كل من يعلم غيره فهو يربيه في نفس الوقت؛ ونحن لا نستطيع بأي حال أن نعلم دون أن نكون مربين إلى حد معين، ولكننا نستطيع أن نربي دون أن نباشر عملية التدريس مباشرة فعلية. والآراء الحديثة أميل إلى تحديد التربية بغاياتها لا بوسائلها التي منها