تركت بغداد في مساء الاثنين ١٤ من مارس سنة ١٩٣٨ مستقلة القطار إلى كركوك والساعة التاسعة مساء، فوصلتها في الساعة السابعة من صباح اليوم التالي، ذلك لأن المسافة من بغداد إلى كركوك زهاء ٣٢٦ كيلو متراً، وخط سكة الحديد هذه يمتد على ضفة نهر ديالة اليمنى ثم اليسرى، وعرضه متر واحد، ولا تتجاوز سرعة القطار عليه ٢٥ كيلو متراً في الساعة. لأنه بنى على أسس واهية، كالجسور الخشبية والقواعد الترابية. ولأن الأدوات التي استعملت في إنشاء السكك الحديدية هناك لم تغير منذ ذلك الوقت، فقد بليت.
وإدارة سكة الحديد هي التي تقوم برعاية هذه السكك في العراق، ولولا العناية التي تبذلها لكان سير القطر من أخطر الأمور؛ ولأصبح السفر من جهات العراق النائية إلى بعضها عسيراً.
من كركوك أخذت سيارة إلى الموصل، فقطعت ١٦٠ كيلو متراً في جادات ولو أنها معبدة إلا أن المطر الغزير قد أتلف أجزاء كبيرة منها، فكاد السير عليها يكون مستحيلاً.
بعد أن قضيت بضعة أيام في الموصل رأيت فيها معالمها التاريخية، والإنشائية، وجزءاً كبيراً من أطرافها (كبلدة تلكيف، والشيخ عدي، والعمادية وغيرها)، وبعد أن فرجني على بساتينها الغناء، ومبانيها الجديدة المشيدة، وشوارعها المرصوفة الواسعة، السيد خير الدين بك العمري رئيس بلدية الموصل، أخذت السيارة منها إلى معاقل قبائل شمر العتيدة.
كنت قد أرسلت خبراً للشيخ عجيلي الياور برغبتي في زيارتي معاقله، فلما بلغني خبر ترحيبه واستعداده لإرسال سيارة من سياراته الخاصة الفخمة تحملني من الموصل إلى خيامه، شكرت له ترحيبه، واعتذرت من قبول الذهاب في سيارته، لأن سيارتي كانت حاضرة. فقبل العذر عن هذه، ولكنه حتم أن يستقبلني رجاله في مناطق معينة من الطريق، وأن يصطحبنا دليل منهم إلى الخيام، خشية أن نضل.