للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عاهل الجزيرة في وادي النيل]

للأستاذ محمود حسن إسماعيل

حادٍ من البيدِ هزَّتني قوافله ... والنيلُ يصغي إليه أو يساجله

يلقى الغناء حجازياً فتحسبهُ ... تهجُّد الفجر أوَّابٌ يواصلهُ

أصْغت له مصر، فاهتاجت سرائرُها ... وللديارِ هوى تهفُو شواغله!

معلَّم كيف يُشجى الريح! كيف لها ... تعيدُ تسبيح (داودٍ) فواصِلهُ!

وكيف تخطفُ سحر الشمس نغمته ... فينتهي كل ما قصته (بابلهُ)

وكيف بالجبل الراسي مزامرهُ ... تشجيه حتى يريد الخطو كاهله

خرت لموكبه الوديان ساجدة ... إن الصحاري أذان، وهو قائله!

وللجزيرة وحيٌ في قياثِرهِ ... كادت تضيءُ به الدنيا أنامله

مهد النبوات أرض النور موطنه ... وفي مزار الهدى قامت منازله

سارٍ يهاب الضحى أنوار خطواته ... ويعلمُ الفجر أن الركبَ حاملهُ

وتسمع الطير عنه، وهي شاردة ... فإن دنا سرْبها قرَّت بلابله

حَبُّ، وماءٌ، وأعشاش، وأمنُ حِمى ... فيه الغريب أخٌ، والضيف أهلهُ

سألته: لمن الركبان سائرة؟ ... وللكريم اهتزاز إذ تسائله!

فقال إني من الشرق الذي سطعت ... ونورت منه للدنيا رسائله

من بقعة عَمدُ الإسلام في يدها ... سواعد الدهر يعييها تطاوله!

مشى الرسول عليها فاغتدت حرما ... يجرد النفس للتسبيح داخله

وشع منها كتاب الله، فهي حمى ... لابد يسجد قبل الخطو نازله

بني عليها، وشاد الملك معتلياً ... على المهابة، سيف عز حامله

عرش (الجزيرة) مركوز بقبضته ... وفوق خدَّيه أجرى البأس عاهله!

تلألأت منه فوق النيل زاخرة ... رُؤى جبينٍ أضاءته فضائلهُ

نورُ الشهادة تُبديهِ أسرَّتهُ ... وهالةُ المجد تُضفيها حمائله

وحوله من سماءِ البيد شارقةٌ ... من البداوة تذكها شمائله

عطر النبوات نضَّاح على يده ... كأنَّ خلداً زكَتْ فيه خمائله

<<  <  ج:
ص:  >  >>