كان العرب أمة جاهلية عزيزة الجانب تعيش في بلاد كريمة، وكأنما الله قد خلق البلاد وأهلها على وفاق بينهما، فهناك شبه غريب بين صلابة البلاد ووعورتها وبين صلابة البلاد ووعورة مسالكها، وبين إقفار البلاد وجفاء طباع أهلها. ولكن كان يخفف من حدة صلابة البلاد ووعورتها، قيعان ذات أمواه ورياض فيحاء، وكلأ أخضر نضير، كما كان يلطف من صلابة نفوس العرب وقسوة قلوبهم، مزاج من اللين والدماثة ورقة الطبع.
كان العرب يعيشون في بلاد خرساء، تحيط بهم صحراء قفراء، تمتد إلى مدى البصر، فتخالها بحراً من الرمل. يصطلي حره طول النهار العربي ويكافح قره طول الليل، وقد ترك فيه هذا الجو أثرا ظاهراً، فكنت تراه يؤثر الصمت فلا يتكلم إلا فيما له صلة به ومساس بقومه.
وإن قوماً هذا شأنهم ينفردون وسط البيد، ويتنقلون بين الرمال والجبال، يناجون الطبيعة أسرارها، ويشاركونها أعاصيرها وجمالها، لابد أنهم يكونون خفاف الحركة، ثاقبي النظر، حداد الخواطر، أذكياء القلوب. وفوق ذلك فهم أقوياء النفوس متينو الأخلاق، لهم من شدة حزمهم وقوة إرادتهم، حصن منيع وحاجز يقيهم تقلبات الأخلاق عند غيرهم من الأمم، وهذا ولا شك منتهى الشرف وذروة الفضائل، وما بالك بقوم يضيف أحدهم ألد أعدائه، فيكرم مثواه، وينحر له ويقدم له أطايب الطعام، ويؤثره بأفضل ما عنده، فإذا أزمع الضيف الرحيل، شيعة وخلع عليه مما تملك يداه، وحملة ما يستطيع أن يجود به. فإذا لقيه في مكان بعيد عن داره وقومه، لا يحجم عن مقاتلته أخذا بثأره، رغم ما قضيناه من صحبة.
يزعم البعض أن العرب من عنصر اليهود، ولكن هذا زعم باطل، لا يقيمه دليل ولا ينهضه برهان، والحقيقة أنهم شاركوا اليهود في بعض الصفات، وامتازوا عليهم ببعضها. فقد شاركوهم مرارة الحد، وامتازوا عليهم، برقة الطبع وحلاوة الشمائل والوفاء بالعهد