(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين
الناس أن تحكموا بالعدل. .)
قرآن كريم
الأمانة فضيلة، والفرد إنما يكتسب الفضائل من المجتمع الذي هو المصدر الأول لكل فضيلة، فلا غرو إذا كانت (الأمانة العلمية) بمثابة (الطاقة) التي تنبثق من أرجائها أشعة الحق والخير، فتنعكس على الأفراد بالرضا والسعادة، ومن هنا يتلمس طريق الإصلاح الشامل ومن أراد القضاء على المشاكل التي يصطلى نارها كل من الفرد والجماعة على السواء.
وقبل أن نفرض هذا العبء الأكبر على الفرد، نرى أن المجتمع قد احتمله بطبعه، فإن الضمير الاجتماعي هو القياس السليم للحكم على الأمور التي تصدر عن الأفراد، بل هو المحكمة التي لا نقص ولا إبرام لأحكامها، فلا مناص من الرضوخ لها، والانصياع إليها.
والمجتمع هو (الأمين العام) على الحقوق والواجبات التي تنتظم بمقتضاها الحياة العامة، فلا مفر من الاسترشاد بأوامره، والإنصات إلى أصدائه الرنانة في جوانب الفرد حين يصدق عليه قول الشاعر:
وتحسب أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
وتحقيق العدالة لطالبيها موكول أولاً وبالذات إلى الأمانة العامة، بعد أن تكون المنافذ قد سدت في وجوههم، فما هو إلا أن تعرض المظالم في وضع النهار، على سمع المجتمع وبصره، ولن تجتمع الأمة المستنيرة يوماً على باطل، ولن تنأى بجانبها عن إنصاف من يستنصرها، بكل سبيل مشروع، وذلك هو الواجب، الأول على الحاكمين والمحكومين علىالسواء، فليس بنا إذن حاجة إلى هذه البدعة الجديدة التي يسمونها (وزارة المظالم) فإنها غير ذات موضوع، من كل مجتمع مطبوع غير مصنوع.
بهذا تستجيب الجماعة لغريزة (البقاء الاجتماعي) التي تتطلب تنسيق الأعضاء من غير