كان وفاء كريما من أدباء العربية وعلية رجالها، وكان دينا استحق الوفاء والأداء لصاحبه منذ زمن سحيق، وكان تكريما أدنى ما ينبغي أن يكون، وأقل ما ينبغي أن يقدم لشيخ الشعراء وأستاذهم وإمامهم ورائدهم خليل مطران.
نعم. . . كان هذا التكريم - على روعته وجلاله - بعض ما ينبغي لهذا الشيخ الوقور جزاء وفاقا لما قدم للشعر العربي من جهد كبير متواصل، ولما قدم لشعراء العرب من مناهج وطرائق وراد لهم من مجاهل كانت محجبة مستخفية مطوبة، إلى أن تكشفت لعبقريته، وتفتحت لوحيه، وأشرقت على يديه. . .
ولقد عرف الناس ما كان في هذه الاحتفالات التي تتالت وتعاقبت أياما ثلاثة، وقرءوا كل ما فيها من خطب وما أنشد فيها من شعر، وشاهدوا حشود الناس تسعى من مصر وشقيقاتها إلى الاحتفال في نهضة كريمة ووفاء شديد، في زمن عز فيه الوفاء وغاض ماء الخير.
ولقد كان موكباً أدبياً فذاً متفرداً، تكلم فيه الأدباء الكبار والشعراء الكبار، وترجموا الرجل وآثاره ترجمة وافية مستفيضة وفصلوا القول فيه وفي فنون أدبه تفصلا، ودرسوا آثاره جميعاً دراسة لا زيادة لمستزيد عليها، فكان سجلا أدبيا وكان سفرا أدبيا رائعا حقا. . .
ونحن نجد أن من تمام هذا السجل ومن كمال هذا السفر أن يقول النقد الأدبي فيه كلمته، وأن يزن الميزان الأدبي محتوياته بميزانه العادل الدقيق، فذلك أدنى إلى أن يبلغ هذا السفر غايته، ويستوفى كماله!
ونحن - من جانبنا وعلى سوانا أن ينهض بالباقي! - آخذون في كلمات متتابعة في وزن وعرض الشعر الذي قيل، ووضعه في ميزان النقد الذي يعلم الله براءته من الهوى، وخلوصه من الغرض، وبعده عن الميل أو الانحراف عن الحق. . .
ولقد أنشد في هذه الاحتفالات فحول من شعراء العرب في مصر والعراق ولبنان هم أعينان الشعر وأعلام الأدب في بلادهم، وإن خليل مطران لقمين بأن يقول فيه هؤلاء، عسى بتمداحهم والإطراء منهم. . .
وكان أول هؤلاء الشعراء الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد فألقى قصيدته مثلثة القافية -