للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهو نوع كان العقاد يكثر منه أيام صدر شبابه الأول - قاربت الخمسين بيتا تضمنت وصف الأستاذ المحتفل به وصفا دقيقا شاملا محيطا ألم فيه بجميع خصائصه وجميع سماته، بل وجميع قسماته، لم يترك دقيقة من دقائقه، ولم يدع خلجة من خلجات نفسه، ولا همسة من همسات قلبه، ولا خطرة من خطرات فؤاده. . . وتلك الإحاطة الشاملة، والإفاضة الكاملة هي مزية العقاد الكبرى في كل ما يكتب وما يتناول وما يصف.

ولقد زخرت قصيدة العقاد - كالعهد به دائما - بالمعاني البكر المستحدثة التي يزخر بها كل ما ينشئ ويكتب ويفيض بها كل ما يخرج للناس!

ولعلي لا أجد من لا يرى الجمال غاية الجمال، والمعنى البكر غاية البكورة - إن جازت هذه العبارة! - في قول العقاد عن مطران إنه (محراب القريض)! وفي قوله معدد سجاياه الكريمة:

ماذا أعدد من سجا - ياك الحان وهن شتى

أدباً وعرفاناً وآلا - ء محبة وسمتا

وإذا أطلت فغاية الإ - طراء أنك أنت أنتا

وأي طرافة وجدة واستحداث أبعد من قوله:

أنطقت بالعربية ال - فصحى معاجم شكسبير

ونقلتم نقل الأما - نة في الكبير وفي الصغير

بدلت في لغة اللسا - ن. . ولم تبدل في الضمير!

ولم ينس العقاد أن يعرض في قصيدته لما خدم مطران به التمثل والاقتصاد، ولما سبق به من التجديد والتحرر من ربقة القديم تحررا لطيفا لينا ليس بينه وبين تجديده كمال الانقطاع وتمام الانفصال، ولكنه تجديد وئيد رفيق هين يأخذ من القديم أبهاه ومن الجديد أزهاه، ويرتشف من كل بحر قطرة، ويقطف من كل بستان زهرة، فيستوي للناس بعد ذلك أدبا مشرقا رائعا يملك عليهم ألبابهم وهواهم وعقولهم. . . نعم فإن مطران كان ذلك المجدد، وإنه بحق للحلقة المفقودة بل الحلقة المنشودة بين المجددين!

(للكلام بقية)

علي متولي صلاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>