للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حرارة الصيف بين العلم والأدب]

للأستاذ ضياء الدخيلي

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

ومن ظريف ما ينقل عن تدابير القدماء في اتقاء قسوة الحر ما نقله ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء في ترجمة الطبيب بختيشوع بن جبرئيل، وقد قال عنه الدكتور أمين أسعد خير الله في كتابه عن (الطب العربي) إنه كان مقرباً من الخليفة المتوكل وكان غنياً وأنيقاُ يشابه الخلفاء من حيث اللبس والحاشية والمعيشة. ومن الطريف أنه كان أول من استعمل طريقة تكييف الهواء والحرارة كما حدث عنه أبو محمد بدر. قال ابن أبي أصيبعة (حدث) أبو محمد بدر بن أبي الأصبع الكاتب قال حدثني جدي قال دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيش بعدة طاقات من الخيش وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب مظهر بدبيقي قد صبغ بماء الورد والكافور والصندل وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة ومطرف قد التحف به، فعجبت من زيه، فحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم، فضحك وأمر لي بجبة ومطرف وقال يا غلام اكشف جوانب القبة، فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكبوسة بالثلج وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني، ثم دعا بطعامه، فأتي بمائدة في غاية الحسن عليها كل شيء ظريف، ثم أتى بفراريج مشوية في نهاية الحمرة، وجاء الطباخ فنفضها كلها فانتفضت، وقال هذه فراريج تعلف اللوز و (البزر قطونا) وتسقى ماء الرمان.

ولما كان في صلب الشتاء دخلت عليه يوماً والبرد شديد وعليه محشوة وكساء وهو جالس في طارمة في الدار على بستان في غاية الحسن وعليها سمور قد ظهرت به وفوقه جلال حرير مصبغ ولبود مغربية وأنطاع أدم يمانية، وبين يديه كانون فضة مذهب مخزَّق وخادم يوقد العود الهندي وعليه غلالة قصب في نهاية الرفعة؛ فلما حصلت معه في الطارمة وجدت من الحر أمراً عظيما، فضحك وأمر لي بغلالة قصب وتقدم بكشف جوانب الطارمة فإذا مواضع لها شبابيك خشب بعد شبابيك حديد، وكوانين فيها فحم الغضا، وغلمان ينفخون ذلك الفحم بالزقاق كما تكون للحدادين؛ ثم دعا بطعامه فأحضروا ما جرت به العادة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>