التجارب هي إحدى وسائل (العلم)، لعل ساعة (التجربة) هي أمتع لحظات (العالِم) خطر لي مرة أن أقوم بتجربة غريبة ممتعة: أن أضع امرأة فاتنة بين إخواني الأدباء الأفاضل: العقاد وطه والمازني وأحمد أمين والزيات والبشري؛ ثم أنظر بعد ذلك ما يكون. إني على ثقة أنهم لن يناموا ليلتهم قبل أن يسطر كل منهم على الورق أشياء قد تكون من أجل ما كتبوا. إن المرأة الجميلة في مجلس الأديب لها فعل السحر. تستطيع بغير عصا أن تخرج جواهر البيان من أفواه الأدباء؛ إنا لا نكاد نجد أدباً من الآداب العظيمة لم يرو لنا خبر المرأة في مجلس الأدب؛ فإذا راجعنا الأدب العربي القديم وجدنا ذكر الجواري اللواتي كالشموس، الضاربات بالعود، اللاعبات بالنرد، الراويات للشعر؛ وإذا نظرنا في آداب الغرب في كل عصر وجدنا أخبار (الصالونات) وما فيها من أقمار كلهن ذكاء وثقافة ودلال. نعم؛ وهل يمر يوم على أديب من أدباء الغرب لا يجلس فيه إلى مائدة تزينها باقات النساء الجميلات؟! فيلبث ساعة يتحدث إلى ملكين رقيقين عن يمينه ويساره يقطر الوحي من شفتيهما، ثم يعود إلى عزلته وكتبه وورقه ليمضي في إنتاجه الأدبي، وهذا الإنتاج الذي نراه بعد ذلك آية من آيات الإعجاز! أما نحن فلا عرب بلغنا ولا غرب، ولا شموس حولنا ولا أقمار؛ ولكننا أدباء كالعناكب ننسج في الظلام، ونعيش في الجدب والحرمان؛ ومع ذلك ننتج أحياناً، وهنا حقاً آية الإعجاز! إن أولئك الذين يتهمون أدبنا الحديث بالتقصير هم قوم ظالمون أو أغرار لا يبصرون. إن أدباءنا المعاصرين لجبابرة مستبسلون، ومجاهدون مستشهدون، لم يعرف مثلهم أدب من الآداب. فما من أدب في التاريخ استطاع أن يظهر في ظروف اجتمعت على خنقه كهذه الظروف. اللهم إنَّا شهداء! اللهم إنّا شهداء!