للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشوامخ. . .]

للدكتور محمد صبري

كان المرحوم شوقي يقول: (إن الذين لم يصلوا أعداء للذين وصلوا). والأولون كثيرون في مصر وفي كل بلاد الله. في كل زمان ومكان، وكان البحتري ينافسه عند الخلفاء طائفة من الشعراء المهرجين الذين كانوا يأخذون الجوائز رغما من حقارة شعرهم، وكان البحتري يضج من هذه الحال ويكثر التبرم والشكوى، وهو القائل:

على نحت القوافي من مقاطعها ... وما علي لهم أن تفهم البقر

وكان بعض النقاد الفرنسيين يزعم أن فكتور هيجو ليس شاعراً وأنه ينهق نهيق الحمار، على أن هذا وذاك لم يمنع العبقريات في كل جيل من الثبات والاستقرار كالطود الذي لا يعبأ بطنين الذباب وترهات الأغبياء والدجالين وأنصارهم وصنائعهم

على أن الذي يراقب الحالة من كثب في مصر منذ ثلاثين عاما يجد أن الحركة الأدبية قد دبت إليها في العهد الأخير عين الفوضى التي اجتاحت الميدان السياسي فأصبح كثيرون من أنصاف المتعلمين والمتأدبين يشرفون على الصحف ويزنون الكتاب وكتاباتهم بموازينهم، ويفسحون صدورهم للتهريج ومحاربة الأدب العالي الذي يجهلونه. والذي زاد في طغيان تلك الفئة إقبال الجمهور على ما يكتبون. وسواد الجماهير في كل أمة ميال إلى هذا النوع من الأدب الرخيص

فيجب على أدبائنا أن يعالجوا هذه الحال التي أصبحت كالسيل تجرف الحدود وتقلب المقاييس والأوضاع، وهذا الواجب يقع أولاً على عاتق مجلاتنا الكبرى، فمن نكد الدنيا أن تجاري بعض هذه المجلات التيار العام فتفقد اتزانها وتزور عن أهدافها

أقول ذلك بمناسبة مقال نشرته مجلة (الثقافة) لدكتور تخرج حديثا في كلية الآداب وأراد أن يظهر ذكاءه الخارق وأدبه في مقال عن (الشوامخ). فكان كناطح صخرة، وإني لا يضيرني أن يكتب هذا وذاك فالقافلة تسير، وليس من العسير على أي إنسان أن يتهكم ويقول إن الكتاب الفلاني لا يساوي شيئاً، ولكن العسير أن يرزقكم الله قدرة على الفهم ولا ذنب لي إذا لم تفهموا

وإذا كان جل فحول القدماء لم يفهموا امرأ القيس، وقد سجلنا آراءهم تسجيلا كما سجلنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>