ظلت الفتاة أسبوعين بعد لقائنا في الكنتننتال تتردد فيهما على مكتبي، فلا تجد الفرصة مواتية لتقول مثل ما كانت تقول؛ ولا الجلسة خاصة لتسمع مثل ما كانت تسمع. ثم انقطع عني عيانها وخبرها فجأة، فلم أعد أراها في المكتب، ولا أسمعها في التليفون، ولا أقرأها في البريد؛ فعللت هذا الانقطاع بما يجوز من العلل في مثل هذه الحال، ولكنها لم تعْدُ أن تكون ظنوناً لا يطمئن عليها البال:
هل عادت إلى القرية؟ ولكن لماذا لم تودعني قبل سفرها؟ ولماذا لم تخبرني بعودتها وهي تعلم أني أسر بخبرها؟
هل أصابها مرض ألزمها الفراش؟ ولكنها مرضت قبل ذلك فلم يمنعها المرض أن تبعث إليّ برسالتها مرة وبرسولتها أخرى.
هل قطعت بينها وبيني الأسباب؟ ولكنها قنعت مني بالسبب الضعيف الذي لا يربط، فلا ينفعها أن تقطعه، ولا يضرها أن تصله. إذن ما عسى أن تكون العلة الصحيحة لانقطاع خبرها عن علمي هذا الشهر كله؟
كنت أدير في خاطري هذا السؤال حين ألقى إلىَّ البريد في مساء هذا اليوم كتاباً ورقه كذلك الورق، وخطه كذلك الخط؛ ولكن أسلوبه مختلف وإمضاءه مغاير! مَن (زوزو) هذه التي تكتب إلىَّ بهذا الطول وتخاطبني بهذه اللهجة؟ عرفت بعد ما قرأت أنها ابنة أختها، وأنها تقص علىَّ في هذا الكتاب مأساة خالتها، وما غاب عني من عقدة هذه المأساة ونهايتها.
سألخص كتابها في صفحة هذا اليوم وهو التاسع والعشرون من سبتمبر، لأرفه عن نفسي المحزونة بهذا الأسلوب الطريف، ولأكمل به هذه القصة التي بدأت في الربيع انتهت في الخريف!
قالت الآنسة زوزو ما معناه: أكتب إليك يا سيدي ولست غريبة عن بالك، فإنك سمعت بي ولا شك من خالتي المسكينة (س)، وقد كنت رسولتها إليك في ذات يوم لو تذكر. ولطالما حدثتني عن أثرك في نفسها فأشتهي أن أراك، وخوفتني من رأيك في مثلها فأستحي أن