للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ثورة على الأخلاق]

معدة قرقرت ثم استقرت

للدكتور عبد الوهاب عزام

فأما صاحبك فقد ساءتني حربه وسلمه، وهو في سلمه اشد إساءة وأعظم جناية؛ صورته لي غاضباً للأخلاق، راثياً للفضيلة، ثائراً على الناس، يقذفهم بالتهم، ويرميهم بالحمم؛ يشتط في غضبته ويغلو في ثورته، فقلت: حر غضب فأخطأ، وكريم ثار فجار، وأبيٌّ برٌّ أسخطته المذلة، وهاجه الفجور، فانطلق لا يقف عند حد. ثم صورته قنوعاً مستسلماً فقلت: وا سوأتا! أهذا المبطان جادلت، وهذا الجبان نازلت؟ لقد كان جهاداً في غير عدو. لم تكن شقشقة هدرت ثم قرت، بل معدة قرقرت ثم استقرت. وما الشقاشق إلا لفحول الجمال، وأشباههم من فحول الرجال.

وأما أنت يا أخي الزيات فما أحسبك إلا شريك محمود في رأيه، أو أصاحب وحيه؛ قدمته للكلام ونطقت على لسانه، وعرضته للنضال ونزعت في قوسه، ولا أقول أقمته مقام الوثن من سادنه، والصنم من كاهنه. فلما تبين انه في الخصام غير مبين، وفي المآزق غير دفاع، وفي المعارك لا يثبت للمصاع؛ وإنه لجوع يثيره، وشبع يرضيه، أبدلت به جماعة حسبتهم أقوم بحجتك، واشد هيبة في صدور خصومك فقلت: (على أن مجلسنا كان حافلاً بغير محمود من رجال العلم والدين والأدب، وكلهم كانوا له وعليك) واكبر ظني أن هؤلاء (رجال العلم والدين والأدب) شركوا محموداً في المائدة. وإلا فكيف جمعهم بمحمود المجلس وقد (قام منذ هنيهة عن مائدة الإفطار الغنية الشهية)؟ والعجيب أن تذهب المائدة بثورة محمود وتثير سخط هؤلاء. ولعله كان أثبتهم على المائدة حملة، وأطيشهم في الصحاف يداً. ولعلهم آثروا القناعة، واصطنعوا الحياء، وتمسكوا بالأخلاق فحرموا، فكانت ثورتهم على الأخلاق.

وبعد فموضع الخلاف بيننا هذه القضية: هل الخلق الفاضل سبيل النجاح؟ قال محمود إبان ثورته: لا، وقلت: نعم نعم. وضربت مثلاً الصانع المجيد، الحسن المعاملة، الصادق الوعد، والتاجر الأمين المخلص، والمزارع الأمين. ثم قلت: (ولا يزال الرجل الصادق الأمين في كل جماعة وفي كل طائفة موضع المودة والثقة؛ ينال بسيرته ما تقصر عنه ثروته، إن

<<  <  ج:
ص:  >  >>