للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[انقلاب عظيم في السياسة الدولية]

روسيا البلشفية في عصبة الأمم

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تجوز العلائق الدولية في تلك الآونة أعظم انقلاب عرفته منذ الحرب الكبرى، وتستعد عصبة الأمم لإستقبال أعظم حادث عرفته في تاريخها، فمنذ أشهر يجري الحديث بأن روسيا السوفيتية ستدعى إلى الالتحاق بعصبة الأمم. وستغدو عما قريب عضواً فيها، وتتمتع بكرسي دائم في مجلسها. وقد كان ذلك مثار دهشة وريب ممن يعرفون ظروف روسيا السوفيتية، ونزوعها إلى التباعد عن الدول الغربية، وما تقضي به طبيعة ونظمها من مخاصمة الحكومات (الرأسمالية)، ومناوأتها بكل الوسائل الخفية، والعمل على هدمها وهدم النظم التي تحميها، إضرام نار (الثورة العالمية). وقد كان للبلاشفة في عصبة الأمم منذ قيامها رأي يناقض ما يرونه اليوم كل المناقضة، فقد كانت في نظرهم عصابة من الدول الرأسمالية تحركها هذه الدول وتوجهها كيف شاءت، وهيئة إستعمارية منافقة تعمل من وراء ستار لتحقيق غايات الاستعمار الغربي، وأداة لتمكين نير الأمم القوية الغالبة من أعناق الأمم الضعيفة المغلوبة، وكانت الحوادث تؤيد كثيراً من هذه الريب الظنون، فلم تر الأمم الضعيفة ولاسيما الأمم الشرقية شيئاً من الأنصاف على يد عصبة جنيف، بل إبتدعت لها نظام الانتدابات أو الحماية المقنعة لتسبغ على استعبادها صفة مشروعة، ولم تحول مرة أن تحد من مزاعم الدول الاستعمارية أو أطماعها - وهذه الدول هي بعينها التي تسيطر على مجلس العصبة - ولم تجرؤ مرة على أن تصدر في أي المسائل التي طرحت أمامها أي قرار يناقض آراء هذه الدول أو غاياتها، ولازلنا نذكر موقفها من النزاع بين تركيا وإنكلترا على كردستان، والصراع بين الصين واليابان على منشوريا، وخذلانها حينما احتلت إيطاليا كورفو، وتملها فيما اقتضته من العراق شرطاً لالتحاقها بالعصبة، وموقفها من أماني فلسطين وسوريا، ولا زلنا نذكر بالأخص موقفها العقيم من مسألة نزع السلاح وفشلها الذريع في معالجتها، وسواء كانت روسيا السوفيتية مخلصة في رأيها بالنسبة لعصبة الأمم أم كانت تمليه بواعث السياسة فقط، فأن العصبة لم تحقق خلال هذه الأعوام العديدة من حياتها شيئاً مما علق عليها من الآمال في إنصاف الشعوب المظلومة أو تخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>