الوصف من صميم الفن ولباب الأدب وأدل ضروب القول على صدق الشعور وذكاء القلب، إذ أن روائع المشاهدات وطرائف المحسوسات وجديد المرئيات من أشد الأمور تأثيراً في نفس الأديب، واستجاشة له إلى التأمل، ودفعاً له إلى القول؛ وليس خير الوصف ما أحاط بكل حقائق الموصوف وأحصى كل دقائق أجزائه، كما تحصي الصورة الشمسية كل صغيرة وكبيرة منن الشيء المصور، وإنما خير الوصف ما أظهر المهم الرائع من أجزاء تلك الصورة، وأبان عن أثرها في النفس، وما تبعثه فيها من ذكريات وأطياف وأشجان وإطراب، وارتحال الأديب من صقع إلى آخر، ومن بلد إلى سواه ومن دواعي لجوئه إلى الوصف، يعرض فيه ما يتوالى على عينيه وحواسه من آثار ومظاهر؛ ومن ثم كانت الرحلة من أهم الأحداث في حياة الأديب بل من أهم مكونات شخصيته.
والوصف من أشد آثار الأدب إمتاعاً للنفس واستدعاء لانتباهها وإرضاء لغرائزها: إذ هو يرضى من الإنسان غريزة التقليد والحكاية لشتى المرئيات والمحسوسات، ويروي منه الميل إلى الإحساس صدى عواطفه لدى الآخرين، فهو يستريح إلى الأديب الذي يصف من المشاهدات ويروي من الاحساسات ما قد يكون القارئ مر به في مختلف أطوار حياته. والوصف أيضاً يحرك الخيال ويمتعه ويفسح له مجال العمل، ويبعد به وراء حدود الحياة اليومية الحاضرة. ومن ثم نرى البيت أو البيتين يعرضان في القصيدة الطويلة مشتملين على وصف رائع لمنظر أو حادث أو إحساس، فيكونان غرة القصيدة وأحب أبياتها إلى النفوس.
ولما كان الوصف ضرباً من القول فنياً صميماً، وكان يحتاج لتجويده إلى إطالة النظر وطول التقصي ورياضة الكلام، وكانت موضوعاته أكثر من أن تعد وأوسع من أن تفنى، كان الوصف يبلغ أوج ازدهاره حين يبلغ الأدب طوره الفني، باستقرار الأمة وتحضر