تقيم تلك القابلة مدام دوبوا في ركن عند ملتقى شارع سان لازاك وشارع روشفوكولد حيث كتبت اسمها على باب منزلها بخط كبير.
وهذا المنزل أو تلك (العيادة) التي لا تقتصر في اريس على مساعدة الحاملات عند وضعهن. . . لا تجرؤ الفقيرات على الدنوّ منها، لأن مدام دوبوا تشتطّ في الأجر فلا تستقبل فيها إلا طبقة السيدات الغنية التي ترى في الحمل عبثاً ثقيلاً.
وفي ذات يوم نزلت من العربة أمام تلك الدار فتاة رشيقة ثم صعدت إلى الطابق الثاني. وبعد أن استقبلتها الخادمة وأدخلتها عند سيدتها أخذت هذه تطيل النظر فيها كأنها تستطلع أمرها، لأن الزائرة كانت مع حسنها وصباها يشق جبينها من وقت لآخر خط ينم عن تفكيرها وتكتّمها حالتها.
على أن القابلة لم يخْفَ عليها من أول نظرة أن هذه الفتاة حامل، ولكنها مع ذلك تجاهلت أمرها، وسألتها عن سبب زيارتها وقد عادت إليها حالتها العصبية السالفة:
(لقد اقتضى مجيئي إليك كثيراً من الشجاعة يا سيدتي لأنني لم يعد في وسعي الأحجام بعد ذلك الصبر الطويل الذي غلبني. بل إنني لا أدري كيف قدرت على كتمان أمري إلى الآن. لذلك قصدتك وأنا أرجو السلامة على يديك فما أنا بذات بعل ولا أنا مخطوبة، حتى إنني لأخشى أن يفتضح أمري فيلحقني العار ويلحق بأهلي)
وعند ذلك عادت القابلة تسألها: لماذا لم توحي لأمك بذلك فلعلها كانت تهيئ لك أسباب السفر إلى مكان قصي تضعين فيه حملك. ولكنها كانت يتيمة من أمها، وما كانت لتجد شجاعة على مكاشفة أبيها بأمرها وإن كان يحبها ويُعزّها خشية أن تنغص حياته وتكدر صفوه.
وقد علمت منها القابلة أن عشيقها مات قبل أن تشعر بهذا الحمل الذي مضى عليه أربعة شهور، فلامتها على إهمالها شأن نفسها إلى تلك اللحظة قائلة إنها لو كانت قصدتها قبل ذلك فربما كانت وُفّقت إلى الأخذ بيدها. أما بعد هذه المدة الطويلة. . .