للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الهاربون من القضاء]

للأستاذ عبد الرحمن شكري

أتظل موهون الجنانِ مروَّعاً ... قلِقاً من الآفات والأقدار

تخشى الحياة ولست تخشى ميتة ... هبها نصيب الموت في الإصغار

قلقاً تُطِلُّ على الحياة كأنما ... منها وقفت على الشفير الهاري

تخشى الحياة وكذبها وسَفالها ... وصيا لها في قسوة الغَدَّار

والحي يأكل من حياة مثيله ... لحسن الضواري للدم المدرار

وتطاول المغمور ينحو نابها ... كتطاول الغرقان في التيار

متشبثاً منه بعِطَفْي سابح ... ليجره لمهالك وبوار

كل يخال الدهر إن هو عاقه ... خطب الجميع بقاصم الأعمار

والموت يعصف بالدهور وأهلها ... فكأنها صور الخيال الساري

فعلام تخضع للتناكص والأسى ... وتخاف حكم الله في المقدار

والقلب يلمسه الأسى فيهزه ... وكأنه وتر من الأوتار

وعلام ترتقب الزمان وصرفه ... والغيب وهو مُحَجَّبٌ متواري

عمري لو أن الغيب عاجل وانقضى ... لقرأته خبراً من الأخبار

فمن ترى صور الحياة صحائفا ... وكأنها سِفرٌ من الأسفار

لا إنها أمر تزاول صرفه ... وتظل تعدو منه في مضمار

أو تغتدي بين الأنام مغامراً ... تسعى على سنن لهم وشعار

فإذا أسيت أسيت طرفة ناظر ... وإذا نسيت نسيت كل عثار

وكذبت ما كذب الأنام ولم تجد ... في قسوة من خسة وشنار

ونسيت ما جلب الزمان لأهله ... من محنة أو مهلك ودمار

فتقول للقلب المَروع إذا نزا ... حذر الحياة وصولة الأشزار:

يا هارباً من صولة المقدار ... أتراك تفلت من يد الأقدار

أهرب إذا ما اسْطعْتَ في أزل الدُّنَى ... أو في مدى الآباد والأدهار

أو في الممات وما تلاقي خلفه ... بين الفناء ومعقل الأسرار

<<  <  ج:
ص:  >  >>