تعدو ويدركك الذي خلَّفَته ... كالليل ليس يفر منه الساري
كلُّ من العيش المرَوَّعِ هارب ... لو فاز خلْقٌ في الدنى بفرار
بالفن أو بالعلم أو بمجانة ... أو بالسطا والجند والأنصاو
فإذا القضاء مآلهم ونفاذه ... كحصاد كل وسائل المختار
سل صفحة التاريخ كم قوم به ... أَجراه مجرى الدهر في مضمار
أقوام أدهار مضت بعض لها ... ذكرى وبعض مالها من داري
قد أُبدلوا طبع السَّفَال بأنفس ... من طبعها المتصاعد السَّوَّار
صاروا إذ اغَضبِوا وإن سُرُّوا وإن ... درجوا لأمرٍ ثالثٍ بمدار
يتمرَّغون مجانة فنفوسهم ... وجسومهم كمزابل الأقذار
وصموا الشباب ولم يكن من طبعه ... خلق اللئيم العاجز الغدَّار
إن الشباب مروءة وسذاجة ... وترفع ينبو عن الأوضار
تَخِذوا السَّفاَلَ مِجَنَّهُم ليصونهم ... من صولة الغلاَّب والمغوار
فغدا السَّفاَلَ سعادةً ومسرة ... عبث الخنا ومجانة الفجار
نبذوا الحياء وكيف ترجو أمة ... للنائبات مجانة العُهار
قد خِيلَ في فقد الحياء رجولة ... فقد الحياء رجولة الدُّعار
طبع المجانة عم حتى خلته ... كيداً يحاك عليهمُ بِسَرَارِ
أم وُرِّثوه عن الجدار غنيمة ... يطفو الذليل بها على الأقدار
ويُذِلُّ من عنت الحياة وضيمها ... بسعادة المجانِ والفجار
وتكايدوا كيد العبيد ولم يكن ... كتنابُذ بطبائع الأحرار
واستمرأوا مرعى الغباوة والخنا ... إلْفَ السجون لطول عهد إسار
هزموا الدهور الغازيات بهز لهم ... فمضت وظلوا رهن عُقْرِ الدار
فإذا الدهور جديدة قهَّارة ... وإذا اللئام فريسة الأدهار
درجوا على دَرَج الحياة إلى الردى ... من بعد جهلٍ راقهم وصَغارِ