واقتضت الضرورات الحربية هدم بعض المدن التي يخشى أن تكون خطراً في يد العدو إذا سقطت في يده، وقد رأينا أمثلة لذلك في فصل الحروب السياسية.
ومن تلك المدن التي هدمت مدينة تنيس التي أمر الملك الكامل سنة ٦١٤ بتخريبها، فخربت وظلت خراباً إلى اليوم، ومدينة دمياط، ففي عهد الممز أيبك اتفق المماليك على تخريبها خوفاً من مسير الفرنج إليها مرة أخرى، فوقع الهدم في أسوارها سنة ٦٤٨، وخربت كلها، ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع، وصار في قبليها أخصاص على النيل، سكنها ضعاف الناس وسموها المنشية، وهي أساس مدينة دمياط الحالية. وفي عهد بيبرس أخرج عدة من الحجارين سنة ٦٥٩ لردم فم بحر دمياط حتى لا تستطيع سفن الأعداء دخوله، فمضوا وألقوا فيه من كبار الحجارة ما ضيقه، حتى أصبح من العسير دخول مراكب البحر الكبار منه، ولا يزال على ذلك إلى الآن.
وإذا كانت الضرورة الحربية قد قضت بهدم بعض المدن، فقد أنشأت الحرب بعضاً آخر، كمدينة المنصورة التي أنشأها الملك الكامل سنة ٦١٦، بعد أن ملك الفرنج مدينة دمياط، فإنه نزل بموضع هذه البلدة، وخيم به، وبنى قصراً لسكناه، وأمر من معه من الأمراء والجند بالبناء، فبنيت هناك عدة دور، ونصبت الأسواق، وأدار عليها سوراً مما يلي البحر، وستره بالآلات الحربية والستائر، ولم يزل بها حتى استرجع مدينة دمياط، وأخذت تنمو من يومئذ حتى صارت مدينة كبيرة بها الحمامات والفنادق والأسواق، وفي هذه المدينة نزل الصالح أيوب عندما هاجم الفرنج دمياط، فأصلح سورها وجعل الستائر عليه، وشرع الجند في تجديد الأبنية هناك، وبعد موت الصالح بها، دارت المعركة التي انهزم فيها الصليبيون هزيمة نكراء.
وأنشأ الصالح أيوب مدينة في أول الرمل للذاهب إلى الشام من مصر، سميت الصالحية،