وكان ذلك سنة ٦٤٤، وجعل فيها سوقاً جامعة ومسجداً، وقد أنشأها لتكون مركز العساكر عند خروجهم من الرمل، ومنذ ذلك الحين اتخذها الجند مركزاً لهم إذا خرجوا للغزو، أو عادوا إلى مصر.
وكان لمصر في ذلك العصر علم يميزها، كان لونه في عصر الدولة الفاطمية أبيض، مكتوباً عليه بلون لعله أصفر قوله تعالى: نصر من الله وفتح قريب. وتختلف أحجام الأعلام، إلا أن أكثرها استعمالاً كان كوله ذراعين في عرض ذراع ونصف. وكان إلى جانب هذا العلم الرسمي علمان خاصان بالخلفية، يعرفان بلواءي الحمد، وهما رمحان طويلان، ملبسان بأنابيب من ذهب إلى حد أسنتهما، وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب، ملفوفتان على الرمحين غير منشورتين.
فلما جاء صلاح الدين اتخذ راية ذات لون أصفر، وكأن في ذلك إشارة إلى أن مصر وإن كانت قد عادت إلى أحضان الدولة العباسية - مستقلة ذات كيان خاص بها، ولست أدري إن كان هذا اللون الأصفر لون أعلام نور الدين أو هو لون انفرد به صلاح الدين، لأننا نجهل لون راية نور الدين، ولعلها كانت سوداء كرايات العباسيين.
ولا نعلم بوجه التحقيق السر في اختيار صلاح الدين هذا اللون. أما سر اختيار الفاطميين للون الأبيض، فهو مخالفتهم المخالفة التامة للعباسيين، الذين اختاروا اللون الأسود شعاراً لهم فعلى الضد منهم اختار الفاطميون لون أعلامهم.
وظل العلم الأصفر علم الأيوبيين والمماليك لمن بعدهم، وكان من الرايات عندهم عدة أنواع: فمنها راية عظيمة من حرير أصفر، مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمى العصابة، وراية عظيمة في رأسها خصلة من الشعر تسمى الجاليش، ورايات صغر صغار تسمى السناجق، وصار للمتولي أمر الأعلام السلطانية في عهد المماليك وظيفة أمير علم، أما العلم دار فهو لقب الذي يحمل العلم مع السلطان في المواكب.
ولم أعرف زي الجند في العصر الفاطمي سوى أنهم كانوا يلبسون السراويل والبرانس أما بعد ذلك فقد أدخل سلاطين الأيوبيين لبس الكلوتة بمصر فكانوا يلبسون الكوتات الجوخ الصفر على رءوسهم بغير عمائم، وذوائب شعورهم مرخاة تحتها، وكذلك كان يفعل أمراؤهم وجندهم ومماليكم. ولم يزل السلاطين والجند يلبسون الكلوتات الصفراء بلا عمامة